لتلك البقعة المباركة ، ولا سيما في تلك الليلة المباركة.
وعند أهل الكتاب : أنه وضع يده على وجهه من شدة ذلك النور ، مهابة له وخوفا على بصره.
ثم خاطبه تعالى كما يشاء قائلا له : «إني أنا الله رب العالمين (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) أي أنا رب العالمين الذي لا إله إلا هو ، الذي لا تصلح العبادة وإقامة الصلاة إلا له.
ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار ، وإنما الدار الباقية يوم القيامة ، التي لا بد من كونها ووجودها (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) أي من خير وشر ، وحضه وحثه على العمل لها ، ومجانبة من لا يؤمن بها ممن عصى مولاه واتبع هواه. ثم قال له مخاطبا ومؤانسا ومبينا له أنه القادر على كل شيء ، الذي يقول للشيء كن فيكون : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى؟) أي أما هذه عصاك التي ، تعرفها منذ صحبتها؟ (قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى). أي بلى هذه عصاي التي أعرفها وأتحققها ، (قالَ أَلْقِها يا مُوسى. فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى).
وهذا خارق عظيم وبرهان قاطع على أن الذي يكلمه [هو الذي](١) يقول للشيء كن فيكون ، وأنه الفعال بالاختيار.
وعند أهل الكتاب : أنه سأل برهانا [صادقا](٢) على صدقه عند من يكذبه من أهل مصر ، فقال له الرب عزوجل : ما هذه التي في يدك؟ قال عصاي (٣) ، قال : ألقها إلى الأرض (فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) فهرب موسى من قدامها ، فأمر الرب عزوجل أن يبسط يده ويأخذها بذنبها ، فلما استمكن منها ارتدت عصا في يده.
وقد قال الله تعالى في الآية الأخرى : (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي قد صارت حية عظيمة لها ضخامة هائلة وأنياب تصك ، وهي مع ذلك في سرعة حركة الجان ، وهو ضرب من الحيات يقال له الجان والجنان ، وهو لطيف ولكن سريع الاضطراب والحركة جدا ، فهذه جمعت الضخامة والسرعة الشديدة. فلما عاينها موسى عليهالسلام (وَلَّى مُدْبِراً) أي هاربا منها ، لأن طبيعته البشرية (٤) تقتضي ذلك (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي ولم يلتفت. ، فناداه ربه قائلا :
(يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ).
فلما رجع أمره الله تعالى أن يمسكها (قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى). فيقال إنه هابها شديدا ، فوضع يده في كم مدرعته ، ثم وضع يده في وسط فمها. وعند أهل الكتاب :
أمسك بذنبها ، فلما استمكن منها إذا هي قد عادت كما كانت عصا ذات شعبتين ، فسبحان القدير
__________________
(١ و ٢) من و.
(٣) و : قال : عصا.
(٤) و : لأن طبيعة البشر تقتضي ذلك.