بني إسرائيل ويطلقهم من أسره وقهره ولا يعذبهم. (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) وهو البرهان العظيم في العصا واليد ، (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) تقييد مفيد بليغ عظيم ، ثم تهدداه وتوعداه على التكذيب فقالا : (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى). أي كذب بالحق بقلبه ، وتولى عن العمل بقالبه.
قد ذكر السدي وغيره : أنه لما قدم من بلاد مدين ، دخل على أمه وأخيه هارون ، وهما يتعشيان من طعام فيه «الطفشيل» وهو اللفت ؛ فأكل معهما. ثم قال يا هارون : إن الله أمرني وأمرك أن ندعو فرعون إلى عبادته ، فقم معي. فقاما يقصدان باب فرعون فإذا هو مغلق. فقال موسى للبوابين والحجبة : أعلموه أن رسول الله بالباب. فجعلوا يسخرون منه ويستهزئون به.
وقد زعم بعضهم أنه لم يؤذن لهما عليه إلا بعد حين طويل. وقال محمد بن إسحاق : أذن لهما بعد سنتين ، لأنه لم يك أحد يتجاسر على الاستئذان لهما. فالله أعلم. ويقال إن موسى تقدم إلى الباب فطرقه بعصاه ، فانزعج فرعون وأمر بإحضارهما ، فوقفا بين يديه فدعواه إلى الله عزوجل كما أمرهما.
وعند أهل الكتاب : «أن الله قال لموسى عليهالسلام : إن هارون اللاوي ـ يعني الذي من نسل لاوي بن يعقوب ـ سيخرج ويتلقاك ، وأمره أن يأخذ معه مشايخ بني إسرائيل إلى عند فرعون ، وأمره أن يظهر ما آتاه من الآيات وقال له : إني سأقسي قلبه فلا يرسل الشعب ، وأكثر آياتي وأعاجيبي بأرض مصر. وأوحى الله إلى هارون أن يخرج إلى أخيه يتلقاه بالبرية عند جبل حورب ، فلما تلقاه أخبره موسى بما أمره به ربه. فلما دخلا مصر جمعا شيوخ بني أسرائيل وذهبا إلى فرعون ، فلما بلغاه رسالة الله قال : من هو الله لا أعرفه ولا أرسل بني إسرائيل.
* * *
وقال الله مخبرا عن فرعون : (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى * قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى * قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى * قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى* كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى * مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى.)
[٢٠ / طه : ٤٩ ـ ٥٥]
يقول تعالى مخبرا عن فرعون : إنه أنكر إثبات الصانع تعالى قائلا : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى * قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) أي هو الذي خلق الخلق وقدر لهم أعمالا وأرزاقا وآجالا ، وكتب ذلك عنده في كتابه اللوح المحفوظ ، ثم هدى كل مخلوق إلى ما قدره له ، فطابق عمله فيهم على الوجه الذي قدره وعلمه ، ؛ وقدرته وقدره لكمال علمه. وهذه الآية كقوله تعالى :