(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) يعني ولا تفترا في ذكري إذا قدمتما (١) عليه ووفدتما إليه (٢) ؛ فإن ذلك عون لكما على مخاطبته ومجاوبته ، وأداء (٣) النصيحة إليه وإقامة الحجة عليه.
وقد جاء في بعض الأحاديث : يقول الله تعالى : «إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني (٤) وهو ملاق (٥) قرنه» (٦) وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [٨ / الأنفال : ٤٥]
ثم قال تعالى : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) وهذا من حلمه تعالى وكرمه (٧) ورأفته ورحمته بخلقه ، مع علمه بكفر فرعون وعتوه وتجبره ، وهو إذ ذاك أدرى خلقه ، وقد بعث إليه صفوته من خلقه في ذلك الزمان ، ومع هذا يقول لهما ويأمرهما أن يدعوا إليه بالتي هي أحسن برفق ولين ، ويعاملاه [بألطف](٨) معاملة من يرجو أن يتذكر أو يخشى.
كما قال لرسوله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [١٦ / النحل : ١٢٥] وقال تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [٢٩ / العنكبوت : ٤٦]. قال الحسن البصري : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أعذرا إليه ، قولا له : إن لك ربا ولنا معادا ، وإن بين يديك جنة ونارا.
وقال وهب بن منبه : قولا له : إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة. قال يزيد الرقاشي عند هذه الآية. يا من يتحبب إلى من يعاديه ، فكيف بمن يتولاه ويناديه؟!
(قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) ، وذلك أن فرعون كان جبارا عنيدا وشيطانا مريدا ، له سلطان في بلاد مصر طويل عريض ، وجاه وجنود ، وعساكر وسطوة ، فهاباه من حيث البشرية ، وخافا أن يسطو عليهما في بادىء الأمر ، فثبتهما تعالى وهو العلي الأعلى فقال :
(لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) ، كما قال في الآية الأخرى : (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ).
(فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) يذكر تعالى أنه أمرهما أن يذهبا إلى فرعون فيدعواه إلى الله تعالى ، أن يعبده وحده لا شريك له وأن يرسل معهما
__________________
(١) و : إذا دخلتما.
(٢) و : عليه.
(٣) م : وإهداء.
(٤) و : لمن يذكرني.
(٥) و : هو منا خبر قرنه.
(٦) حديث ضعيف. رواه الترمذي في سننه (٤٩ / ١١٩ / ٣٥٨٠) وفيه زيادة (... يعني عند القتال). وفيه : عفير بن معدان الحمصي بالتصغير المؤذن. مشهور ، ضعيف من السابعة / ت ق وقال ابن أبي حاتم : لا يشتغل به. أه.
تقريب التهذيب (٢ / ٢٥). المغني في الضعفاء (١ / ٤٣٦ / ٤١٤٧)
(٧) و : وعلمنه.
(٨) من و.