وقال الله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ* إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ.)
[٤٠ / غافر : ٢٣ ، ٢٤]
وكان فرعون الملك ، وهامان الوزير ، وكان قارون إسرائيليا من قوم موسى ، إلا أنه كان على دين فرعون وملئه ، وكان ذا مال جزيل جدا ، كما ستأتي قصته فيما بعد إن شاء الله تعالى.
«فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال» وهذا القتل للغلمان من بعد بعثة موسى إنما كان على وجه الإهانة والإذلال ، والتقليل لملأ بني إسرائيل (١) لئلا يكون لهم شوكة يمتنعون بها ، ويصولون على القبط بسببها ، وكان القبط منهم يحذرون ، فلم ينفعهم ذلك ، ولم يرد عنهم قدر الذي يقول للشيء كن فيكون.
«وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه ، إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد» ولهذا يقول الناس على سبيل التهكم : «صار فرعون مذكرا» وهذا منه ، فإن فرعون في زعمه خاف على الناس أن يضلهم موسى عليهالسلام!
«وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب» أي عذت بالله ولجأت إليه [واستجرت](٢) بجنابه (٣) ، من أن يسطو فرعون وغيره عليّ بسوء. وقوله : «من كل متكبر» أي جبار عنيد لا يرعوي ولا ينتهي ، ولا يخاف عذاب الله وعقابه ، لأنه لا يعتقد معادا ولا جزاء. ولهذا قال : «من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب».
* * *
قال الله تعالى :
(وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ* يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ.)
[٤٠ / غافر : ٢٨ ، ٢٩]
وهذا الرجل هو ابن عم فرعون ، وكان يكتم إيمانه من قومه خوفا منهم على نفسه. وزعم بعض الناس أنه كان إسرائيليا ، وهو بعيد ومخالف لسياق الكلام لفظا ومعنى ، والله أعلم.
قال ابن جريج قال ابن عباس : لم يؤمن من القبط بموسى إلا هذا ، والذي جاء من أقصى المدينة ،
__________________
(١) و : لبني إسرائيل ..
(٢) سقطت من م.
(٣) و : بجانبه.