أريد أن تؤمن بالله وترسل معي بني إسرائيل ، فأبى عليه وقال : (فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ) حية عظيمة فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون ، فلما رآها فرعون قاصدة إليه خافها فاقتحم (١) عن سريره واستغاث بموسى أن يكفها عنه ففعل
ثم أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء ، يعني من غير برص ، ثم ردها فعادت إلى لونها الأول.
فاستشار الملأ من حوله فيما رأى فقالوا له : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش ، وأبوا على موسى أن يعطوه شيئا مما طلب ، وقالوا له : اجمع السحرة فإنهم بأرضك كثير ، حتى تغلب بسحرك سحرهما.
فأرسل إلى المدائن فحشر له كل ساحر متعلم ، فلما أتوا فرعون قالوا : بم يعمل هذا الساحر؟
قالوا : يعمل بالحيات. قالوا : فلا والله ما أحد في الأرض يعمل بالسحر بالحيات (٢) والحبال والعصي الذي نعمل ، فما أجرنا إن نحن غلبنا؟ قال لهم : أنتم أقاربي وخاصتي ، وأنا صانع إليكم كل شيء أحببتم. فتواعدوا (يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى).
قال سعيد : فحدثني ابن عباس أن يوم الزينة ، اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة ، هو يوم عاشوراء.
فلما اجتمعوا في صعيد قال الناس بعضهم لبعض : انطلقوا فلنحضر هذا الأمر (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) يعنون موسى وهارون استهزاء بهما ، فقالوا يا موسى ، بعد تريثهم بسحرهم (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) قال بل ألقوا ، (فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه حيفة ، فأوحى الله إليه : (أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) فلما ألقاها صارت ثعبانا عظيمة فاغرة فاها ، فجعلت العصا تلتبس بالحبال ، حتى صارت حرزا للثعابين تدخل فيه حتى ما أبقت عصا ولا حبلا إلا ابتلعته.
فلما عرف السحرة ذلك ، قالوا : لو كان هذا سحرا لم يبلغ من سحرنا كل هذا ، ولكنه أمر من الله تعالى ، آمنا بالله وبما جاء به موسى ، ونتوب إلى الله ما كنا عليه.
فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه وظهر الحق (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ* فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ).
وامرأة فرعون بارزة مبتذلة تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون وأشياعه ، فمن رآها من آل فرعون ظن أنها إنما ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعه ، وإنما كان حزنها وهمها لموسى :
* * *
__________________
(١) و : واقتحم.
(٢) و : يعمل بالسحر والحيات.