قال الله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) ذكر كثير من المفسرين أنه خرج في تجمل عظيم ؛ من ملابس ومراكب وخدم وحشم. فلما رآه من يعظم زهرة الحياة الدنيا تمنوا أن لو كانوا مثله ، وغبطوه بما عليه وله ، فلما سمع مقالتهم العلماء ، ذوو الفهم الصحيح الزهاد الألباء ، قالوا لهم : «ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا» أي ثواب الله في الدار الآخرة خير وأبقى وأجل وأعلى. قال الله تعالى : (وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ) أي وما يلقى هذه النصيحة وهذه المقالة ، وهذه الهمة السامية إلى الدار الآخرة العلية ، عند النظر إلى زهرة هذه الدنيا الدنية إلا من هدى الله قلبه وثبت فؤاده ، وأيد لبه وحقق مراده.
وما أحسن ما قال بعض السلف : إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ، والعقل الكامل عند حلول الشهوات!
قال الله تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ).
لما ذكر تعالى خروجه في زينته واختياله فيها ، وفخره على قومه بها قال : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) كما روى البخاري من حديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة» (١).
ثم روى البخاري من حديث جرير بن زيد ، عن سالم ، عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم نحوه. وقد ذكر [عن](٢) ابن عباس والسدي ، : أن قارون أعطى امرأة بغيا مالا على أن تقول لموسى عليهالسلام وهو في ملأ من الناس : إنك فعلت بي كذا وكذا ، فيقال إنها قالت له ذلك ، فأرعد من الفرق وصلى ركعتين ، ثم أقبل عليها فاستحلفها من ذلك على ذلك ، وما حملك عليه ، فذكرت أن قارون هو الذي حملها على ذلك. واستغفرت الله وتابت إليه. فعند ذلك خر موسى لله ساجدا ، ودعا الله على قارون. فأوحى الله إليه : أني قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه ، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره ، فكان ذلك ، فالله أعلم.
وقد قيل إن قارون لما خرج على قومه في زينته مر بجحفله وبغاله وملابسه على مجلس موسى عليهالسلام ، وهو يذكر قومه بأيام الله. فلما رآه الناس انصرفت وجوه كثيرة منهم (٣) ينظرون
__________________
(١) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٧٧ / ٥ / ٥٧٩٠ / فتح). ورواه مسلم في صحيحه بنحوه من طريق أبي هريرة (٣٧ / ١٠ / ٤٩) ولفظه بينما رجل يمشي ، قد أعجبته جمته وبرداه ، إذ خسف به الأرض ، فهو يتجلجل به في الأرض حتى تقوم الساعة» أ. ه. ورواه النسائي من طريق مسلم في سننه (٤٨ / ١٠١). وأيضا الدارمي في سننه (مقدمة / ٤٠ / ٤٤٣). كما رواه أيضا أحمد في مسنده (٢ / ٦٦ ، ٢٦٧ ، ٣١٥ ، ٣٩٠ ، ٤١٣ ، ٤٥٦ / حلبي). ورواه ابن ماجه في سننه.
غريب اللغة :
الجلجلة : الحركة مع صوت. قال ابن فارس : التجلجل أن يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد ويندفع من شق إلى شق : فالمعنى يتجلجل في الأرض أي ينزل فيها مضطربا متدافعا. أ. ه.
(٢) سقطت من م.
(٣) و : كثير من الناس.