تفرد به أحمد ، وهو موقوف بهذا اللفظ.
وقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق معمر ، عن أبي طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال معمر : وأخبرني من سمع الحسن عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فذكره.
ثم استشكله ابن حبان ، وأجاب عنه بما حاصله : أن ملك الموت لما قال له هذا لم يعرفه ، لمجيئه له على غير صورة يعرفها موسى عليهالسلام كما جاء جبريل في صورة أعرابي ، وكما وردت الملائكة على إبراهيم ولوط في صورة شاب ، فلم يعرفهم إبراهيم ولا لوط أولا. وكذلك موسى لعله لم يعرفه ؛ لذلك لطمه ففقأ عينه لأنه دخل داره بغير إذن ، وهذا موافق لشريعتنا في جواز فقء عين من نظر إليك في دارك بغير إذن.
ثم أورد الحديث من طريق عبد الرزاق عن معمر ، عن همام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «جاء ملك الموت إلى موسى ليقبض روحه ، قال له : أجب ربك ، فلطم موسى عين ملك الموت ففقأ عينه» وذكر تمام الحديث كما أشار إليه البخاري.
ثم تأوله على أنه لما رفع يده ليلطمه ، قال له : أجب ربك ، وهذا التأويل لا يتمشى على ما ورد به اللفظ ؛ من تعقيب قوله أجب ربك بلطمه ولو استمر على الجواب الأول لتمشى له ، وكأنه لم يعرفه في تلك الصورة. ولم يحمل قوله هذا على أنه مطابق ؛ إذ لم يتحقق في [تلك](١) الساعة الراهنة أنه ملك كريم ، لأنه كان يرجو أمورا كثيرة كان يحب وقوعها في حياته ؛ من خروجهم من التيه ، ودخولهم الأرض المقدسة. وكان قد سبق في قدر (٢) الله أنه عليهالسلام يموت في التيه بعد هارون أخيه ، كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
وقد زعم بعضهم : أن موسى عليهالسلام هو الذي خرج بهم من التيه ودخل بهم الأرض المقدسة. وذا خلاف ما عليه أهل الكتاب وجمهور المسلمين.
ومما يدل على ذلك قوله لما اختار الموت : رب أدنني إلى الأرض المقدسة رمية حجر ، ولو كان قد دخلها لم يسأل ذلك. ولكن لما كان مع قومه بالتيه وحانت وفاته عليهالسلام أحب أن يتقرب إلى الأرض التي هاجر إليها ، وحيث قومه عليها ، ولكن حال بينهم وبينها القدر ، رمية بحجر.
ولهذا قال سيد البشر ، ورسول الله إلى أهل الوبر والمدر : «فلو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر».
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، حدثنا ثابت وسليمان التيمي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لما أسري بي مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر».
ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به.
__________________
(١) من و.
(٢) م : دورة وما أثبته من و.