وقال السدي عن أبي مالك وأبي صالح ، وعن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة قالوا : ثم إن الله تعالى أوحى إلى موسى إني متوف هارون فائت به جبل كذا وكذا
فانطلق موسى وهارون نحو هذا الجبل ، فاذا هم بشجرة لم تر شجرة مثلها ، وإذا هم ببيت مبني ، وإذا هم بسرير عليه فرش ، وإذا فيه ريح طيبة. فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه ، قال : يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير ، قال له موسى : فنم عليه ، قال : إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب عليّ ، قال له : لا ترهب أنا أكفيك رب هذا البيت فنم. قال : يا موسى بل نم معي فإن جاء رب هذا البيت غضب عليّ وعليك جميعا. فلما ناما أخذ هارون الموت. فلما وجد حسه قال : يا موسى خدعتني ، فلما قبض رفع ذلك البيت ، وذهبت تلك الشجرة ، ورفع السرير به إلى السماء.
فلما رجع موسى إلى قومه وليس معه هارون قالوا : إن موسى قتل هارون وحسده على حب بني إسرائيل له ، وكان هارون أكف عنهم وألين لهم من موسى ، وكان في موسى بعض الغلظة عليهم. فلما بلغه ذاك قال لهم : ويحكم! كان أخي أفتروني أقتله؟ فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ، ثم دعا الله فنزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض.
ثم إن موسى عليهالسلام بينما هو يمشي ويوشع فتاه إذ أقبلت ريح سوداء ، فلما نظر إليها يوشع ظن أنها الساعة ، فالتزم موسى وقال : تقوم الساعة وأنا ملتزم موسى نبي الله؟ فاستل موسى عليهالسلام من تحت القميص وترك القميص في يدي يوشع. فلما جاء يوشع بالقميص آخذته بنو إسرائيل وقالوا : قتلت نبي الله. فقال : لا والله ما قتلته ، ولكنه استل مني ، فلم يصدقوه وأرادوا قتله. قال : فإذا لم تصدقوني فأخروني ثلاثة أيام ، فدعا الله فأتى كل رجل ممن كان يحرسه في المنام فأخبر أن يوشع لم يقتل موسى ، وإنا قد رفعناه إلينا. فتركوه.
ولم يبق أحد ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مع موسى إلا مات ، ولم يشهد الفتح.
وفي بعض هذا السياق نكارة وغرابة ، والله أعلم.
وقد قدمنا أنه لم يخرج أحد من التيه ممن كان مع موسى ، سوى يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا ، وهو زوج مريم أخت موسى وهارون وهما الرجلان المذكوران فيما تقدم ، اللذان أشارا على ملأ بني إسرائيل بالدخول عليهم.
وذكر وهب بن منبه ، أن موسى عليهالسلام مر بملأ من الملائكة يحفرون قبرا ، فلم ير أحسن منه ولا أنضر ولا أبهج ، فقال : يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر؟ فقالوا : لعبد من عباد الله كريم ، فإن كنت تحب أن تكون هذا العبد فادخل هذا القبر ، وتمدد فيه وتوجه إلى ربك.
وتنفس أسهل تنفس. ففعل ذلك ، فمات صلوات الله وسلامه عليه ، فصلت عليه الملائكة ودفنوه.