قاتلك لا محالة ، فما خبرك فيما ادعيته على هذا؟ قال : والله يا نبي الله إني لمحق فيما ادعيت عليه ، ولكني كنت اغتلت أباه قبل هذا. فأمر به داود فقتل. فعظم أمر داود في بني إسرائيل جدا وخضعوا له خضوعا عظيما. قال ابن عباس وهو قوله تعالى : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) وقوله تعالى :
(وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) أي النبوة ، (وَفَصْلَ الْخِطابِ) قال شريح والشعبي وقتادة وأبو عبد الرحمن السلمي وغيرهم : «فصل الخطاب الشهود والإيمان يعنون ذلك : «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (١) وقال مجاهد والسدي : هو إصابة القضاء وفهمه. وقال مجاهد : هو الفصل في الكلام وفي الحكم. واختاره ابن جرير.
وهذا لا ينافي ما روي عن أبي موسى أنه قول : «أما بعد».
وقال وهب بن منبه : لما كثر الشر وشهادات الزور في بني إسرائيل أعطى داود سلسلة لفصل القضاء. فكانت ممدودة من السماء إلى صخرة بيت المقدس ، وكانت من ذهب ، فإذا تشاجر الرجلان في حق فأيهما كان محقا نالها والآخر لا يصل إليها. فلم تزل كذلك حتى أودع رجل رجلا لؤلؤة فجحدها منه وأخذ عكازا وأودعها فيه ، فلما حضرا عند الصخرة تناولها المدعي فلما قيل للآخر خذها بيدك عمد إلى العكاز فأعطاه المدعي وفيه تلك اللؤلؤة وقال : اللهم إنك تعلم أني دفعتها إليه. ثم تناول السلسلة فنالها. فأشكل أمرها على بني إسرائيل ثم رفعت سريعا من بينهم.
ذكره بمعناه غير واحد من المفسرين. وقد رواه إسحاق بن بشر عن إدريس بن سنان عن وهب به بمعناه.
(وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ* إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ* إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ ، فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ* قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ ، وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ* فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ).
وقد ذكر كثير من المفسرين من السلف والخلف هاهنا قصصا وأخبارا أكثرها إسرائيليات ومنها ما هو مكذوب لا محالة. تركنا إيرادها في كتابنا قصد الاكتفاء واقتصارا على مجرد تلاوة القصة من القرآن العظيم ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وقد اختلف الأئمة في سجدة «ص» : هل هي من عزائم السجود أو إنما هي سجدة شكر ليست من عزائم السجود؟ على قولين :
__________________
(١) هكذا رواه ابن عساكر في تاريخه (٥ / ١٩٦ / تهذيب). وقد روي بالمعنى في صحيح البخاري (٤٨ / ٦ / ٢٥١٤ / فتح). ولفظه من طريق ابن عباس (... أن اليمين على المدعي عليه) أ. ه. وهكذا رواه مسلم في صحيحه (٣٠ / ١ ـ ٢). والترمذي (١٣ / ١٢ / ١٣٤٢). وابن ماجه (١٣ / ٧ / ٢٣٢١).