وقد روينا عن أبي عثمان النهدي (١) أنه قال : لقد سمعت البربط والمزمار ، فلما سمعت صوتا أحسن من صوت أبي موسى الأشعري.
وقد كان مع هذا الصوت الرخيم سريع القراءة لكتابة الزبور ، كما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خفف على داود القراءة ، فكان يأمر بدابته فتسرج فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته ، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه».
وكذلك رواه البخاري منفردا به عن عبد الله بن محمد ، عن عبد الرزاق به ، ولفظه :
«خفف على داود القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه ، ولا يأكل إلا من عمل يديه» (٢).
ثم قال البخاري : «ورواه موسى بن عقبة ، عن صفوان ، هو ابو سليم ، عن عطاء ، ابن يسار ، عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقد أسنده ابن عساكر في ترجمة داود عليهالسلام في تاريخه من طرق عن إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، ومن طريق ابي عاصم عن أبي بكر السبري ، عن صفوان بن سليم به.
والمراد بالقرآن هاهنا الزبور الذي أنزله عليه وأوحاه إليه ، وذكر رواية أشبه أن يكون محفوظا فإنه كان ملكا له أتباع ، فكان يقرأ الزبور بمقدار ما تسرج الدواب ، وهذا أمر سريع مع التدبر والترنم والتغني به على وجه التخشع ، صلوات الله وسلامه عليه.
وقد قال الله تعالى : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) والزبور كتاب مشهور ، وذكرنا في التفسير الحديث الذي رواه أحمد وغيره أنه أنزل في شهر رمضان ، وفيه من المواعظ والحكم ما هو معروف لمن نظر فيه.
* * *
وقوله : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) أي أعطيناه ملكا عظيما وحكما نافذا.
روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن رجلين تداعيا إلى داود عليهالسلام في بقر ادعى أحدهما على الآخر أنه أغتصبها منه. فأنكر المدعي عليه فأرجأ أمرهما إلى الليل ، فلما كان الليل أوحى الله إليه أن يقتل المدعي ، فلما أصبح قال له داود : إن الله أوحى إليّ أن أقتل فأنا
__________________
(١) م : الترمذي محرفة وما أثبته من و.
(٢) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٦٠ / ٣٧ / ٣٤١٧ / فتح).