الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ* قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ* قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ* فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ* وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ* قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.)
[٢٧ / النمل : ٣٨ ـ ٤٤]
لما طلب سليمان من الجان أن يحضروا له عرش بلقيس ، وهو سرير مملكتها التي تجلس عليه وقت حكمها ، قبل قدومها عليه (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) يعني قبل أن ينقضي مجلس حكمك وكان فيما يقال من أول النهار إلى قريب الزوال يتصدى لمهمات بني إسرائيل وما لهم من الأشغال : (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) أي وإني لذو قدرة على إحضاره إليك وأمانة على ما فيه من الجواهر النفيسة لديك (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) المشهور أنه آصف ابن برخينا وهو ابن خالة سليمان. وقيل هو رجل من مؤمني الجان ، كان فيما يقال يحفظ الاسم الأعظم. وقيل رجل من بني إسرائيل من علمائهم ، وقيل : إنه سليمان ، وهذا غريب جدا.
وضعفه السهيلي بأنه لا يصح في سياق الكلام. قال وقد قيل فيه قول رابع وهو : جبريل : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) قيل معناه قبل أن تبعث رسولا إلى أقصى ما ينتهي إليه طرفك من الأرض ثم يعود إليك. وقيل قبل أن يصل إليك أبعد من تراه من الناس. وقيل قبل أن يكل طرفك إذا أقدمت على النظر به قبل أن تطبق جفنك. وقيل قبل أن يرجع إليك طرفك إذا نظرت به إلى أبعد غاية منك ثم أغمضته وهذا أقرب ما قيل.
(فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) أي فلما رأى عرش بلقيس مستقرا عنده في هذه المدة القريبة من بلاد اليمن إلى بيت المقدس في طرفة عين (قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) أي هذا من فضل الله عليّ وفضله على عبيده ليختبرهم على الشكر أو خلافه (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) أي إنما يعود نفع ذلك عليه : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) أي غني عن شكر الشاكرين ولا يتضرر بكفر الكافرين.
ثم أمر سليمان عليهالسلام أن يغير حلي هذا العرش وينكر لها ليختبر فهمها وعقلها ولهذا قال : (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ* فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ : أَهكَذا عَرْشُكِ؟ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) وهذا من فطنتها وغزارة فهمها ، لأنها استبعدت أن يكون عرشها لأنها خلفته وراءها بأرض اليمن ، ولم تكن تعلم أن أحدا يقدر على هذا الصنع العجيب الغريب. قال الله تعالى إخبارا عن سليمان وقومه : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ* وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها