كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) أي ومنعتها عبادة الشمس التي كانت تسجد لها هي وقومها من دون الله اتباعا لدين آبائهم وأسلافهم لا لدليل قادهم إلى ذلك ولا حداهم على ذلك.
وكان سليمان قد أمر ببناء صرح من زجاج وعمل في ممره ماء ، وجعل عليه سقفا من زجاج ، وجعل فيه من السمك وغيرها من دواب الماء ، وأمرت بدخول الصرح وسليمان جالس على سريره فيه (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). وقد قيل إن الجن أرادوا أن يبشعوا منظرها عند سليمان وأن تبدي عن ساقيها ليرى ما عليهما من الشعر فينفره ذلك منها ، وخشوا أن يتزوجها لأن أمها من الجان فتتسلط عليهم معه. وذكر بعضهم أن حافرها كان كحافر الدابة وهذا ضعيف وفي الأول أيضا نظر. والله أعلم.
إلا أن سليمان قيل إنه لما أراد إزالته حين عزم على تزوجها سأل الإنس عن زواله فذكروا له الموسى ، فامتنعت من ذلك فسأل الجان فصنعوا له النورة ووضعوا له الحمام ، فكان أول من دخل الحمام ، فلما وجد مسه قال أوه من عذاب أوه أوه قبل ألا ينفع أوه.
وقد ذكر الثعلبي وغيره أن سليمان لما تزوجها أقرها على مملكة اليمن وردها إليه ، وكان يزورها في كل شهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام ثم يعود على البساط ، وأمر الجان فبنوا له ثلاثة قصور باليمن. غمدان وسالحين وبيتون. فالله أعلم.
وقد روى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه : أن سليمان لم يتزوجها بل زوجها بملك همدان وأقرها على ملك اليمن وسخر زوبعة ملك اليمن فبنى لها القصور الثلاثة التي ذكرناها باليمن. والأول أشهر وأظهر. والله أعلم.
* * *
وقال تعالى : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ* إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ* فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ* رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ* وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ* قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ* فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ* وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ* وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ* هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ* وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ.)
[٣٨ / ص : ٣٠ ـ ٣٩]
يذكر تعالى أنه وهب لداود سليمان عليهماالسلام ، ثم أثنى الله تعالى عليه فقال : (نِعْمَ