وقال بعض العلماء لما ترك الخيل لله عوضه الله عنها بما هو خير له منها ، وهو الريح التي كانت غدوها شهر ورواحها شهر ، كما سيأتي الكلام عليها.
كما قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، عن أبي قتادة وأبي الدهماء ، وكانا يكثران السفر نحو البيت قالا : أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي : أخذ بيدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجعل يعلمني مما علمه الله عزوجل وقال : «إنك لا تدع شيئا اتقاء الله عزوجل إلا أعطاك الله خيرا منه».
* * *
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما من المفسرين هاهنا آثارا كثيرة من جماعة من السلف ، وأكثرها أو كلها متلقاة من الإسرائيليات ، وفي كثير منها نكارة شديدة ، وقد نبهنا على ذلك في كتابنا التفسير واقتصرنا هاهنا على مجرد التلاوة.
ومضمون ما ذكروه أن سليمان عليهالسلام غاب عن سريره أربعين يوما ثم عاد إليه ، ولما عاد أمر ببناء بيت المقدس فبناه بناء محكما. وقد قدمنا أنه جدده وأن أول من جعله مسجدا إسرائيل عليهالسلام ، كما ذكرنا عند قول أبي ذر. قلت : يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال :
المسجد الحرام. قلت : ثم أي؟ قال : مسجد بيت المقدس ، قلت : كم بينهما قال : أربعون سنة.
ومعلوم أن بين إبراهيم الذي بنى المسجد الحرام وبين سليمان بن داود عليهماالسلام أزيد من ألف سنة وليس أربعين سنة ، وكان سؤاله الذي لا ينبغي لأحد من بعده بعد إكماله البيت المقدس؟
قال الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم بأسانيدهم عن عبد الله بن فيروز الديلمي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عزوجل خلالا ثلاثا ، فأعطاه اثنتين ، ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة : سأله حكما يصادف حكمه. فأعطاه إياه ، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه ، وسأله أيما خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه. فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطانا إياها.
فأما الحكم الذي يوافق حكم الله تعالى فقد أثنى الله تعالى عليه وعلى أبيه في قوله :
(وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ* فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً.)
[٢١ / الأنبياء : ٧٨ ، ٧٩]
وقد ذكر شريح القاضي وغير واحد من السلف أن هؤلاء القوم كان لهم كرم فنفشت فيه غنم قوم آخرين ، أي رعته بالليل فأكلت شجره بالكلية ، فتحاكموا إلى داود عليهالسلام فحكم