لأصحاب الكرم بقيمته فلما خرجوا على سليمان قال : بم حكم لكم نبي الله؟ فقالوا : بكذا وكذا فقال أما لو كنت أنا لما حكمت إلا بتسليم الغنم إلى أصحاب الكرم فيستغلونها نتاجا ودرا حتى يصلح أصحاب الغنم كرم أولئك ويردوه إلى ما كان عليه ، ثم يتسلموا غنمهم ، فبلغ داود عليهالسلام ذلك فحكم به.
وقريب من هذا ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بينما امرأتان معهما ابناهما إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما فتنازعتا في الآخر فقالت الكبرى : إنما ذهب بابنك. وقالت الصغرى : بل إنما ذهب بابنك. فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى ، فخرجتا على سليمان فقال : أئتوني بالسكين أشقه نصفين لكل واحدة منكما نصفه. فقالت الصغرى يرحمك الله هو ابنها. فقضى به لها» (١).
ولعل كلا من الحكمين كان سائغا في شريعتهم ، ولكن ما قاله سليمان أرجح ، ولهذا أثنى الله عليه بما ألهمه إياه ومدح بعد ذلك أباه فقال : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ* وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ.)
[٢١ / الأنبياء : ٧٩ ، ٨٠]
ثم قال : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) أي وسخرنا لسليمان الريح عاصفة (تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ* وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ.).
وقال في سورة «ص» : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ* وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ* وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ* هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ* وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ.)
[٣٨ / ص : ٣٦ ـ ٤٠]
لما ترك الخيل ابتغاء وجه الله عوضه الله منها الريح التي هي أسرع سيرا وأقوى وأعظم ولا كلفة عليه لها (تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) أي حيث أراد من أي البلاد ، كان له بساط مركب من أخشاب بحيث أنه يسع جميع ما يحتاج إليه من الدور المبنية والقصور والخيام والأمتعة والخيول والجمال والأثقال والرجال من الإنس والجن ، وغير ذلك من الحيوانات والطيور فإذا أراد سفرا أو مستنزها أو قتال ملك أو أعداء من أي بلاد الله شاء ، فإذا حمل هذه الأمور المذكورة على البساط أمر الريح فدخلت تحته فرفعته فإذا استقل بين السماء والأرض أمر الرخاء فسارت به ، فإذا أراد أسرع من ذلك أمر العاصفة فحملته أسرع ما يكون فوضعته في أي مكان شاء ، بحيث انه كان
__________________
(١) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٤١ / ٤) ، (٨٥ / ٣٠) ، (٦٠ / ٤٠). ورواه مسلم (٥ / ٣٣) ، (٣٠ / ٢٠). ورواه أبو داود (٢ / ١٦٧). ورواه النسائي (١٣ / ٢٠). ورواه ابن ماجة (٢٨ / ١٤) ورواه أحمد في مسنده (٢ / ٣٢٢ ، ٣٤٠) ، (٥ / ٤٧٧ ، ٤٤٨).