يرتحل في أول النهار من بيت المقدس تغدو به الريح فتضعه بإصطخر مسيرة شهر فيقيم هناك إلى آخر النهار ، ثم يروح من آخره فترده إلى بيت المقدس.
كما قال تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ* يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)
[٣٤ / سبأ : ١٢ ، ١٣]
قال الحسن البصري : كان يغدو من دمشق فينزل بإصطخر فيتغدى بها ويذهب رائحا منها فيبيت بكابل وبين دمشق وبين إصطخر مسيرة شهر وبين إصطخر وكابل مسيرة شهر.
قلت : قد ذكر المتكلمون على العمران والبلدان أن أصطخر بنتها الجان لسليمان وكان فيها قرار مملكة الترك قديما ، وكذلك غيرها من بلدان شتى كتدمر وبيت المقدس وباب جيرون وباب البريد اللذان بدمشق على أحد الأقوال.
وأما القطر فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وغير واحد : هو النحاس. قال قتادة :
وكانت باليمن أنبعها الله له. قال السدي : ثلاثة أيام فقط أخذ منها جميع ما يحتاج إليه للبنايات وغيرها.
وقوله : (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) [٣٤ / سبأ : ١٢] أي وسخر الله له من الجن عمالا يعملون له ما يشاء لا يفترون ولا يخرجون عن طاعته ومن خرج منهم عن الأمر عذبه ونكل به (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) وهي الأماكن الحسنة وصدور المجالس (وَتَماثِيلَ) وهي الصور في الجدران ، وكان هذا سائغا في شريعتهم وملتهم (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) قال ابن عباس : الجفنة كالجوبة من الأرض ، وعنه كالحياض ، وكذا قال مجاهد والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم. وعلى هذه الرواية تكون الجواب جمع جابية وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء ، قال الأعشى :
تروح على آل المحلّق جفنة |
|
كجابية الشيخ العراقي تفهق |
وأما القدور الراسيات فقال عكرمة : أثافيها منها ، يعني أنهن ثوابت لا يزلن عن أماكنهن ، وهكذا قال مجاهد وغير واحد.
ولما كان هذا بصدد إطعام الطعام والإحسان إلى الخلق من إنسان وحيوان قال تعالى :
(اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)
[٣٤ / سبأ : ١٣]
وقال تعالى : (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ* وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) يعني أن منهم من