الطيب التراب ، وبالمشي على الزرابي الخبب ، ولأجعلن أجسادهم زبلا للأرض وعظامهم ضاحية للشمس ، ولأدوسنهم بألوان العذاب ثم لآمرن السماء فتكون طبقا من حديد والأرض سبيكة من نحاس ، فإن أمطرت لم تنبت الأرض ، وإن أنبتت شيئا في خلال ذلك فبرحمتي للبهائم ، ثم أحبسه في زمان الزرع وأرسله في زمان الحصاد ، فإن زرعوا في خلال ذلك شيئا سلطت عليه الآفة فإن خلص منه شيء نزعت منه البركة ، فإن دعوني لم أجبهم ، وإن سألوا لم أعطهم ، وإن بكوا لم أرحمهم ، وإن تضرعوا صرفت وجهي عنهم.
رواه ابن عساكر (١) بهذا اللفظ
قال إسحاق بن بشر : أنبأنا إدريس ، عن وهب بن منبه ، قال إن الله تعالى لما بعث أرميا إلى بني إسرائيل وذلك حين عظمت الأحداث فيهم فعملوا بالمعاصي وقتلوا الأنبياء طمع بختنصر فيهم وقذف الله في قلبه وحدث نفسه بالمسير إليهم لما أراد الله أن ينتقم به منهم فأوحى الله إلى أرميا :
إني مهلك بني إسرائيل ومنتقم منهم فقم على صخرة بيت المقدس يأتيك أمري ووحيي. فقام أرميا فشق ثيابه وجعل الرماد على رأسه وخر ساجدا وقال : يا رب وددت لو أن أمي لم تلدني حين جعلتني آخر أنبياء بني إسرائيل فيكون خراب بيت المقدس وبوار بني إسرائيل من أجلي ، فقال له :
ارفع رأسك. فرفع رأسه فبكى ثم قال : يا رب من تسلط عليهم؟ فقال : عبدة النيران لا يخافون عقابي ولا يرجون ثوابي قم يا أرميا فاستمع وحيي أخبرك خبرك وخبر بني إسرائيل : من قبل أن أخلقك اخترتك ، ومن قبل أن أصورك في رحم أمك قدستك ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهرتك ، ومن قبل أن تبلغ نبأتك ، ومن قبل أن تبلغ الأشد اخترتك (٢) ولأمر عظيم اجتبيتك ، فقم مع الملك تسدده وترشده. فكان مع الملك يسدده (٣) ويأتيه الوحي من الله حتى عظمت الأحداث ونسوا ما نجاهم الله به من عدوهم سنحاريب وجنوده فأوحى الله إلى أرميا : قم فأقصص عليهم ما آمرك به وذكرهم نعمتي عليهم وعرفهم أحداثهم. فقال أرميا : يا رب إني ضعيف إن لم تقوني ، عاجز إن لم تبلغني ، مخطىء إن لم تسددني ، مخذول إن لم تنصرني ، ذليل إن لم تعزني ، فقال الله تعالى : أو لم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي ، وأن الخلق والأمر كله لي ، وأن القلوب والألسنة (٤) كلها بيدي فأقلبها كيف شئت فتطيعني فأنا الله الذي ليس شيء مثلي ، قامت السموات والأرض وما فيهن بكلمتي ، وإنه لا يخلص التوحيد ولم تتم القدرة إلا لي ، ولا يعلم ما عندي غيري ، وأنا الذي كلمت البحار ففهمت قولي وأمرتها ففعلت أمري ، وحددت عليها حدودا فلا تعدو حدي ، وتأتي بأمواج كالجبال فإذا بلغت حدي ألبستها مذلة لطاعتي وخوفا واعترافا لأمري ، وإني معك ولن يصل إليك شيء معي ، وإني بعثتك إلى خلق عظيم من خلقي لتبلغهم رسالاتي فتستوجب لذلك أجر من اتبعك ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. إنطلق إلى قومك فقم فيهم وقل لهم إن الله قد ذكركم بصلاح آبائكم فلذلك استبقاكم ، يا معشر ابناء الأنبياء ، وكيف
__________________
(١) رواه ابن عساكر في تاريخه (٢ / ٣٨٨ ، ٣٨٩ ، ٣٩٠ / تهذيب).
(٢) في تاريخ الطبري (٦٥٨ / أوربا) «اختبرتك».
(٣) و : فكان يرشده ويأتيه الوحي.
(٤) الطبري : والألسن.