الخطاب والجواب (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) [أي ما قلت غير ما أمرتني عليه](١) حين أرسلتني إليهم وانزلت عليّ الكتاب الذي كان يتلى عليهم. ثم فسر ما قاله لهم بقوله : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) أي خالقي وخالقكم ورازقي ورازقكم (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) أي رفعتني إليك حين أرادوا قتلي وصلبي فرحمتني وخلصتني منهم وألقيت شبهي على أحدهم حتى انتقموا منه فلما كان ذلك (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
ثم قال على وجه التفويض إلى الرب عزوجل والتبري من أهل النصرانية : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) أي وهم يستحقون ذلك (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وهذا التفويض والإسناد إلى المشيئة بالشرط لا يقتضي وقوع ذلك ، ولهذا قال : (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ولم يقل الغفور الرحيم (٢).
وقد ذكرنا في التفسير ما رواه الإمام أحمد عن أبي ذر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قام بهذه الآية الكريمة ليلة حتى أصبح (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وقال : إني سألت ربي عزوجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها وهي نائلة إن شاء الله تعالى لمن لا يشرك بالله شيئا.
وقال : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ* لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ* بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ* وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ* يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ.)
[٢١ / الأنبياء : ١٦ ـ ٢٠]
وقال تعالى : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ* خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ.)
[٣٩ / الزمر : ٤ ـ ٥]
وقال تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ* سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ.)
[٤٣ / الزخرف : ٨١ ، ٨٢]
وقال تعالى : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً.)
[١٧ / الإسراء : ١١١]
__________________
(١) من و.
(٢) روى ذلك أبو داود الطيالسي في مسنده (٢٦٣٨). والبخاري في صحيحه (٨ / ٢١٥ / فتح). ورواه أحمد في المسند مطولا (٢٠٩٦ ، ٢٢٨١ ، ١٩٥٠ ، ٢٠٢٧ / شاكر).