وذكر أبو جعفر الباقر : أن آدم كان مباشرا لتقريبهما القربان والتقبل من هابيل دون قابيل ، فقال قابيل لآدم : إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي ، وتوعد أخاه فيما بينه وبينه.
فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي ، فبعث آدم أخاه قابيل لينظر ما أبطأ به (١) ، فلما ذهب إذ هو به ، فقال له : تقبل منك ولم يتقبل مني. فقال : إنما يتقبل الله من المتقين. فغضب قابيل عندها وضربه بحديدة كانت معه فقتله. وقيل : إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته. وقيل : بل خنقه خنقا شديدا وعضه كما تفعل السباع ، فمات والله أعلم.
وقوله له لما توعده بالقتل : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ، ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) دل على خلق حسن ، وخوف من الله تعالى وخشية منه (٢) ، وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله.
ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا يا رسول الله هذا القاتل ، فما بال المقتول؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه» (٣).
وقوله : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) أي إني أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى ، إذ قد عزمت على ما عزمت عليه ، أن تبوء بإثمي وإثمك ، أي تتحمل إثم قتلي مع مالك من الآثام المتقدمة قبل ذلك ، قاله مجاهد والسدى وابن جرير وغير واحد.
وليس المراد أن آثام المقتول تتحول بمجرد قتله إلى القاتل كما قد توهمه بعض الناس ؛ فإن ابن جرير حكى الإجماع على خلاف ذلك.
وأما الحديث الذي يورده بعض من لا يعلم عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما ترك القاتل على المقتول من ذنب» (٤) فلا أصل له ، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف أيضا.
__________________
(١) و : ما بطأ.
(٢) و : وخشية الله.
(٣) والحديث رواه البخاري في صحيحه (٨٧ / ٢ ، ٦٨٧٥ / فتح). ورواه مسلم في صحيحه (٢٨ / ٣٢ ، ٣٣) (٥٢ / ٦٤ / ١٦). ورواه أبو داود (٣٤ / ٥ / حلبي). ورواه النسائي (٣٧ / ٢٩ / التجارية). ورواه ابن ماجه في سننه (٣٦ / ١١). ورواه أحمد في مسنده (٢ / ١٠٠) ، (٤ / ٤٠١ ، ٤٠٣ ـ ٤١٨ ، (٥ / ٤١ ، ٤٣ ، ٤٦ ، ٤٨ ، ٥١).
(٤) حديث ضعيف.
رواه السخاوي في المقاصد الحسنة (٣٦٥ / ٩٥٠) وقال : قال ابن كثير في تاريخه : إنه لا يعرف له أصلا أه. ورواه العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ٢٥٨ / ٢٢٠٠) وقال : قال الحافظ ابن حجر في اللآلىء : هو حديث لا يعرف له أصلا ولا بإسناد ضعيف ، ومعناه صحيح ، كما أخرجه ابن حبان عن عمر رفعه بلفظ «إن السيف محاء للخطايا» وللعقيلي عن أنس رفعه «لا يمر السيف بذنب إلا محاه ، قال : وليس له أصل يثبت أه.