ولكن قد يتفق في بعض الأشخاص يوم القيامة ، أن يطالب المقتول القاتل فتكون حسنات القاتل لا تفي بهذه المظلة فتحول من سيئات المقتول إلى القاتل ، كما ثبت به الحديث الصحيح في سائر المظالم ، والقتل من أعظمها والله أعلم. وقد حررنا هذا كله في التفسير ، ولله الحمد ،
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص ، أنه قال عند فتنة عثمان بن عفان : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنها ستكون فتنة ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي» (١).
قال أفرأيت إن دخل على بيتي فبسط يده إلي ليقتلني.
قال : «كن كابن آدم».
ورواه ابن مردويه عن حذيفة بن اليمان مرفوعا ، وقال : كن كخير ابني آدم. وروى مسلم وأهل السنن إلا النسائي عن أبي ذر نحو هذا.
وأما الآخر فقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ووكيع ، قالا : قال حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ؛ لأنه كان أول من سن القتل» (٢).
ورواه الجماعة سوى أبي داود من حديث الأعمش به. وهكذا روي عن عبد الله بن عمرو ابن العاص وإبراهيم النخعي أنهما قالا مثل هذا سواء.
وبجبل قاسيون شمالي دمشق مغارة يقال لها مغارة الدم ، مشهورة بأنها المكان الذي قتل قابيل أخاه هابيل عندها ، وذلك مما تلقوه عن أهل الكتاب فالله أعلم بصحة ذلك.
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن كثير ـ وقال إنه كان من الصالحين ـ أنه رأى النبي صلىاللهعليهوسلم وأبا بكر وعمر وهابيل ، وأنه استحلف هابيل أن هذا دمه فحلف له ، وذكر أنه سأل الله تعالى أن يجعل هذا المكان يستجاب عنده الدعاء ، فأجابه إلى ذلك ، وصدقه في ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : إنه وأبا بكر وعمر يزورون هذا المكان في كل يوم خميس (٣).
وهذا منام لو صح عن أحمد بن كثير هذا ، لم يترتب عليه حكم شرعي. والله أعلم.
__________________
(١) الحديث رواه البخاري (٦١ / ٢٥) ٩٢ / ٩). ورواه مسلم في صحيحه (٥٢ / ١٠ / ١٣). ورواه الترمذي في سننه (٣٤ / ٢٩ / ٢١٩٤). ورواه أحمد في مسنده (١ / ١٦٩ ، ١٨٥) ، (٢ / ٢٨٢ ـ ٤٠٨) ، (٤ / ١٠٦ ، ١١٠) ، (٥ / ١١٠).
(٢) الحديث رواه البخاري (٢٣ / ٣٢) ، (٦٠ / ١) ، (٩٦ / ١٥). ورواه مسلم في صحيحه (٢٨ / ٢٧) ورواه الترمذي في سننه (٤٢ / ١٤ / ٢٦٧٣). ورواه النسائي (٣٧ / ١ / التجارية). ورواه ابن ماجة (٢١ / ١). ورواه أحمد في مسنده (١ / ٣٨٣ ، ٤٣٠ ٤٣٣). ورواه الطبري في تاريخه (١ / ١٤٤ / معارف).
(٣) تهذيب ابن عساكر (١ / ٤٤١).