وقوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ ، قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ ، فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) ذكر بعضهم أنه لما قتله حمله على ظهره سنة ، وقال آخرون حمله مائة سنة! ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين. قال السدي بإسناده عن الصحابة : أخوين ، فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر ، فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه وواراه ، فلما رآه يصنع ذلك قال : يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي. ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه.
وذكر أهل التواريخ والسير أن آدم حزن على ابنه هابيل حزنا شديدا ، وأنه قال في ذلك شعرا ، وهو قوله فيما ذكره ابن جرير عن ابن حميد :
تغيّرت البلاد ومن عليها |
|
فوجه الأرض مغبرّ قبيح |
تغيّر كل ذي لون وطعم (١) |
|
وقل بشاشة الوجه المليح |
فأجيب آدم :
أبا قابيل (٢) قد قتلا جميعا |
|
وصار الحي كالميت الذبيح |
وجاء بشرة قد كان منها |
|
على خوف فجاء بها يصيح |
وهذا الشعر فيه نظر. وقد يكون آدم عليهالسلام قال كلاما يتحزن به بلغته ، فألفه بعضهم إلى هذا ، وفيه أقوال والله أعلم.
وقد ذكر مجاهد أن قابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه ، فعلقت ساقه إلى فخذه ، وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت ، تنكيلا به وتعجيلا لذنبه وبغيه وحسده لأخيه لأبويه.
وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم» (٣).
* * *
والذي رأيته في الكتاب الذي بأيدي أهل الكتاب الذين يزعمون أنه التوراة : أن الله عزوجل أجله وأنظره ، وأنه سكن في أرض «نود» في شرقي عدن وهم يسمونه قنين. وأنه ولد له خنوخ ، ولخنوخ عندر ، ولعندر محوايل ، ولمحوايل متوشيل ، ولمتوشيل لامك. وتزوج هذا
__________________
(١) في تاريخ الطبري (١ / ١٤٥ / معارف) تغير كل ذي طعم ولون .....
(٢) م : هابيل وكذا في تاريخ الطبري (١ / ١٤٥ / معارف).
(٣) حديث صحيح.
ورواه أبو داود في سننه (٢ / ٥٧٤). ورواه الترمذي في سننه (٣٨ / ٥٧ / ٢٥١١) وقال : هذا حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجة في سننه (٣٧ / ٢٣ / ٤٢١١). ورواه أحمد في مسنده (٥ / ٣٦ / ٣٨) ورواه البخاري في الأدب المفرد رقم (٦٧).
ورواه السيوطي في الفتح الكبير (٣ / ١٠٨) وقال : رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك والطبري عن أبي بكرة.