واختيارها لهذه النعمة العظيمة وإقامة البرهان على براءتها مما نسبها إليه الجاهلون ولهذا قال : (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) وهو جبريل بإلقاء روحه إلى أمه وقرنه معه في حال رسالته ومدافعته عنه لمن كفر به (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) أي تدعو الناس إلى الله في حال صغرك في مهدك وفي كهولتك ، «وإذ علمتك الكتاب والحكمة أي الخط والفهم ، نص عليه بعض السلف (وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) وقوله : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي) أي تصوره وتشكله من الطين على هيئة الطير على أمر الله له بذلك (فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) أي بأمري يؤكد تعالى بذكر الإذن له في ذلك لرفع التوهم.
وقوله (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ) قال بعض السلف وهو الذي يولد أعمى ولا سبيل لأحد من الحكماء إلى مداواته (وَالْأَبْرَصَ) هو الذي لا طب فيه بل قد مرض بالبرص وصار داؤه عضالا (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى) أي من قبورهم أحياء بإذني. وقد تقدم ما فيه دلالة على وقوع ذلك مرارا متعددة بما فيه كفاية.
وقوله : (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) وذلك حين أرادوا صلبه فرفعه الله إليه وأنقذه من بين أظهرهم صيانة لجنابه الكريم عن الأذى وسلامة له من الردى.
وقوله : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) قيل المراد بهذا الوحي وحي إلهام أي أرشدهم الله إليه ودلهم عليه.
كما قال : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ...)
[١٦ / النحل : ٦٨]
(وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ.)
[٢٨ / القصص : ٧]
وقيل المراد وحي بواسطة الرسول وتوفيق في قلوبهم لقبول الحق ولهذا استجابوا قائلين : (آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ).
وهذا من جملة نعم الله على عبده ورسوله عيسى ابن مريم أن جعل له أنصارا وأعوانا ينصرونه ويدعون معه إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
كما قال تعالى لعبده محمد صلىاللهعليهوسلم : : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.)
[٨ / الأنفال : ٦٢ ـ ٦٣]
وقال تعالى : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ* وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ