فلان البارحة وما اخر في منزله؟ فيخبرهم ، فيزداد المؤمنون إيمانا والكافرون والمنافقون شكا (١) وكفرانا.
وكان عيسى مع ذلك ليس له منزل يأوي إليه ، إنما يسيح في الأرض ليس له قرار ولا موضع يعرف به ، فكان أول ما أحيا من الموتى أنه مر ذات يوم على امرأة قاعدة عند قبر وهي تبكي فقال لها : ما لك ، ايتها المرأة؟ فقالت : ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها وإني عاهدت ربي ألا أبرح من موضعي هذا حتى أذوق ما ذاقت من الموت أو يحييها الله لي فأنظر إليها. فقال لها عيسى :
أرأيت إن نظرت إليها أراجعة أنت؟ قالت : نعم. قالوا : فصلى ركعتين ثم جاء فجلس عند القبر فنادى يا فلانة قومي بإذن الله الرحمن فاخرجي. قال : فتحرك القبر ثم نادى الثانية فانصدع القبر بإذن الله ، ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب ، فقال لها عيسى : ما أبطأ بك عني؟ فقالت : لما جاءتني الصيحة الأولى بعث الله لي ملكا فركب خلقي ثم (٢) جاءتني الصيحة الثانية فرجع إلى روحي ، ثم جاءتني الصيحة فخفت أنها صيحة القيامة فشاب رأسي وحاجباي وأشفار عيني من مخافة القيامة ، ثم أقبلت علي أمها فقالت : يا أماه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين يا أماه اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا ، يا روح الله وكلمته سل ربي أن يردني إلى الآخرة وأن يهون عليّ كرب الموت. فدعا ربه فقبضها إليه واستوت عليها الأرض.
فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضبا.
وقدمنا في عقب قصة نوح أن بني إسرائيل سألوه أن يحيي لهم سام بن نوح فدعا الله عزوجل وصلى لله فأحياه الله لهم فحدثهم عن السفينة وأمرها ثم دعا فعاد ترابا.
وقد روى السدي عن أبي صالح وأبي مالك ، عن ابن عباس في خبر ذكره وفيه أن ملكا من ملوك بني إسرائيل مات وحمل على سريره فجاء عيسى عليهالسلام فدعا الله عزوجل فأحياه الله عزوجل ، فرأى الناس أمرا هائلا ومنظرا عجيبا.
وقال تعالى وهو أصدق القائلين : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ* وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ.)
[٥ / المائدة : ١١٠ ، ١١١]
يذكره الله بنعمته عليه وإحسانه إليه في خلقه إياه من غير أب ، بل من أم بلا ذكر ، وجعله له آية للناس ودلالة على كمال قدرته تعالى ثم إرساله بعد هذا كله (وَعَلى والِدَتِكَ) في اصطفائها
__________________
(١) و : شركا.
(٢) و : فلما جاءتني.