ذات يدي قلت؟ أو ليس خزائن السموات والأرض بيدي أنفق منها كيف أشاء. أو إن البخل يعتريني (١) ، أو لست أجود من سئل (٢) وأوسع من أعطى. أو أن رحمتي ضاقت؟ وإنما يتراحم المتراحمون بفضل رحمتي.
ولولا أن هؤلاء القوم يا عيسى ابن مريم غروا (٣) أنفسهم بالحكمة التي تورث في قلوبهم ما استأثروا (٤) به الدنيا أثرة على الآخرة لعرفوا من أين أتوا (٥) ، وإذا لأيقنوا أن أنفسهم هي أعدى الأعداء لهم ، وكيف أقبل صيامهم وهم يتقوون عليه بالأطعمة الحرام وكيف أقبل صلاتهم وقلوبهم تركن إلى الذين يحاربونني ويستحلون محارمي وكيف أقبل صدقاتهم وهم يغصبون الناس عليها فيأخذونها من غير حلها. ، يا عيسى إنما أجزي عليها أهلها ، وكيف أرحم بكاءهم وأيديهم تقطر من دماء الأنبياء؟ ازددت عليهم غضبا.
يا عيسى وقضيت يوم خلقت السموات والأرض أنه من عبدني وقال فيكما بقولي أن أجعلهم جيرانك في الدار ورفقاءك في المنازل وشركاءك في الكرامة ، وقضيت يوم خلقت السموات والأرض أن من اتخذك وامك إلهين من دون الله أن أجعلهم في الدرك الأسفل من النار.
وقضيت يوم خلقت السموات والأرض أني مثبت هذا الأمر على يدي عبدي محمد وأختم به الأنبياء والرسل ، ومولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يتزين (٦) بالفحش ولا قوال بالخنا ، أسدده لكل أمر جميل وأهب له كل خلق كريم ، وأجعل التقوى ضميره والحكم معقرا له والوفاء طبيعته والعدل سيرته والحق شريعته والإسلام ملته ، اسمه أحمد ، أهدي به بعد الضلالة وأعلم به بعد الجهالة وأغني به بعد العائلة ، وأرفع به بعد الضعة ، أهدي به وأفتح به بين آذان صم وقلوب غلف وأهواء مختلفة متفرقة ، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر إخلاصا لا سمي وتصديقا لما جاءت به الرسل ، ألهمهم التسبيح والتقديس والتهليل في مساجدهم ومجالسهم وبيوتهم ومنقلبهم ومثواهم ، يصلون لي قياما وقعودا ، وركعا وسجودا ، ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا ، قربانهم دماؤهم وأناجيلهم في صدورهم وقربانهم في بطونهم ، رهبان بالليل ليوث في النهار ، ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم.
وسنذكر ما يصدق كثيرا من هذا السياق مما سنورده من سورة المائدة والصف إن شاء الله وبه الثقة.
وقد روى أبو حذيفة إسحاق بن بشر بأسانيده عن كعب الأحبار ووهب بن منبه وابن عباس وسلمان الفارسي ، دخل حديث بعضهم في بعض ، قالوا : لما بعث عيسى ابن مريم وجاءهم بالبينات جعل المنافقون والكافرون من بني إسرائيل يعجبون منه ويستهزئون به فيقولون : ما أكل
__________________
(١) م : لا يعتريني.
(٢) م : من سأل.
(٣) و : عدو.
(٤) و : فأستأثروا.
(٥) م : أوتوا.
(٦) م : ولا يزر.