مريم أين تريدين (١)؟! فقالت : أزور قبر المسيح فأسلم عليه وأحدث عهدا به. فقال : يا مريم إن هذا ليس المسيح ، إن الله قد رفع المسيح وطهره من الذين كفروا. ولكن هذا الفتى الذي ألقى شبهه عليه وصلب وقتل مكانه ، وعلامة ذلك أن أهله قد فقدوه فلا يدرون ما فعل به فهم يبكون عليه فإذا كان يوم كذا وكذا فأت غيضة كذا وكذا فإنك تلقين المسيح.
قال : وصعد جبريل فرجعت إلى أختها فأخبرتها عن جبريل وما قال لها من أمر الغيضة ، فلما كان ذلك اليوم ذهبت فوجدت عيسى في الغيضة فلما رآها أسرع إليها وأكب عليها فقبل رأسها وجعل يدعو لها كما كان يفعل ، وقال يا أمه إن القوم لم يقتلوني ولكن الله رفعني إليه وأذن لي في لقائك والموت يأتيك قريبا فاصبري واذكري الله كثيرا. ثم صعد عيسى فلم تلقه إلا تلك المرة حتى ماتت.
قال : وبلغني أن مريم بقيت بعد عيسى خمس سنين وماتت ولها ثلاث وخمسون سنة. رضي الله عنها وأرضاها.
وقال الحسن البصري : كان عمر عيسى عليهالسلام يوم رفع أربعا وثلاثين سنة. وفي الحديث : «إن أهل الجنة يدخلونها جردا مردا مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين». وفي الحديث الآخر :
«على ميلاد عيسى وحسن يوسف». وكذا قال حماد بن سلمة عن علي بن يزيد ، عن سعيد بن المسيب ، أنه قال : رفع عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
فأما الحديث الذي رواه الحاكم في مستدركه ويعقوب بن سفيان الفسوي في تاريخه ، عن سعيد بن أبي مريم ، عن نافع بن يزيد ، عن عمارة بن غزية ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو ابن عثمان ، أن أمه فاطمة بنت الحسين حدثته أن عائشة كانت تقول : أخبرتني فاطمة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخبرها أنه لم يكن نبي كان بعده نبي إلا عاش الذي بعده نصف عمر الذي كان قبله ، وأنه أخبرني أن عيسى بن مريم عاش عشرين ومائة سنة فلا أراني إلا ذاهب على رأس ستين. هذا لفظ الفسوي. فهو حديث غريب.
قال الحافظ ابن عساكر : والصحيح أن عيسى لم يبلغ هذا العمر ، وإنما أراد به مدة مقامه في أمته ، كما روى سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة ، قال قالت فاطمة : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن عيسى بن مريم مكث في بني إسرائيل أربعين سنة وهذا منقطع.
وقال جرير والثوري عن الأعمش ، عن إبراهيم : مكث عيسى في قومه أربعين عاما.
ويروى عن أمير المؤمنين علي أن عيسى عليهالسلام رفع ليلة الثاني والعشرين من رمضان وتلك الليلة في مثلها توفي علي بعد طعنه بخمسة أيام.
وقد روى الضحاك عن ابن عباس أن عيسى لما رفع إلى السماء جاءته سحابة فدنت منه حتى جلس عليها وجاءته مريم فودعته وبكت ثم رفع وهي تنظر وألقى إليها عيسى برداء له وقال : هذا علامة ما بيني وبينك يوم القيامة وألقى عمامته على شمعون ، وجعلت أمه تودعه بإصبعها تشير بها
__________________
(١) و : أين تريدون.