ثم قال : الحق ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات ، وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة وليأكلن ثمني.
فخرجوا وتفرقوا ، وكانت اليهود تطلبه فأخذوا شمعون أحد الحواريين فقالوا : هذا من أصحابه. فجحد وقال : ما أنا بصاحبه. فتركوه. ثم أخذه آخرون فجحد كذلك ، ثم سمع صوت ديك فبكى وأحزنه.
فلما أصبح أتى أحد الحواريين إلى اليهود فقال : ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح؟
فجعلوا له ثلاثين درهما فأخذها ودلهم عليه ، وكان شبه عليهم قبل ذلك فأخذوه واستوثقوا منه وربطوه بالحبل وجعلوا يقودونه ويقولون : أنت كنت تحيي الموتى وتنتهر الشيطان وتبرىء المجنون ، أفلا تنجي نفسك من هذا الحبل؟! ويبصقون عليه ويلقون عليه الشوك حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها فرفعه الله إليه وصلبوا ما شبهه لهم فمكث سبعا.
ثم إن أمه والمرأة التي كان يداويها عيسى فأبرأها الله من الجنون جاءتا تبكيان حيث كان المصلوب فجاءهم عيسى فقال : علام تبكيان؟ قالتا عليك. فقال : إني قد رفعني الله إليه ولم يصبني إلا خير ، وإن هذا شيء شبه لهم. فأمرا الحواريين أن يلقوني إلى مكان كذا وكذا. فلافاه إلى ذلك المكان أحد عشر وفقد الذي كان باعه ودل عليه اليهود ، فسأل عنه أصحابه فقالوا أنه ندم على ما صنع فاختنق وقتل نفسه ، فقال : لو تاب لتاب الله عليه. ثم سألهم عن غلام [كان](١) يتبعهم يقال له يحيى فقال : هو معكم فانطلقوا فإنه سيصبح كل إنسان منكم يحدث بلغة قوم فلينذرهم وليدعهم.
وهذا إسناد غريب عجيب ، وهو أصح مما ذكره النصارى لعنهم الله من أن المسيح جاء إلى مريم وهي جالسة تبكي عند جذعة فأراها مكان المسامير من جسده ، وأخبرها أن روحه رفعت وأن جسده صلب.
وهذا بهت وكذب واختلاق وتحريف وتبديل وزيادة باطلة في الإنجيل على خلاف الحق ومقتضى الدليل (٢).
وحكى الحافظ ابن عساكر من طريق يحيى بن حبيب ، فيما بلغه ، أن مريم سألت من بيت الملك بعد ما صلب المصلوب بسبعة أيام ، وهي تحسب أنه أبنها ، أن ينزل جسده ، فأجابهم إلى ذلك ودفن هنالك ، فقالت مريم لأم يحيى : ألا تذهبين بنا نزور قبر المسيح؟ فذهبتا فلما دنتا من القبر قالت مريم لأم يحيى : ألا تستترين؟ قالت : وممن أستتر؟ فقالت من هذا الرجل الذي هو عند القبر. فقالت أم يحيى : إني لا أرى أحدا فرجت مريم أن يكون جبريل ، وكانت قد بعد عهدها به ، فاستوقفت أم يحيى وذهبت نحو القبر فلما دنت من القبر قال لها جبريل ، وعرفته : يا
__________________
(١) من و.
(٢) م : ومقتضى النقل.