عن الجعل والافتقار إليه فى الخلط بما لا يدخل فى قوامها مفوّضا إلى البرهان.
أليس قد قرع سمعك : أنّ التّصوّر والتّصديق نوعان من الإدراك مختلفان بحسب الحقيقة ، لا بحسب المتعلّق فقط ؛ إذ التّصديق لا يتعلّق إلاّ بمفاد الهيئة الحمليّة ، كمفهوم «هو هو» ، والتّصوّر يتعلّق بكلّ شيء ، والنّسبة إنّما تدخل فى متعلّق التّصديق بالتّبعيّة ، حيث يؤخذ الموضوع متلبّسا بالمحمول ، وأثر التّصوّر حصول نفس الشّيء وأثر التّصديق كون الشّيء شيئا. وكذلك الوجود المحمول والوجود الرّابطىّ نوعان متباينان بحسب الحقيقة وبحسب المتعلّق وبحسب ما يتبع. فاحكم بأنّ شاكلة الجعلين فى هذه الأحكام تلك الشّاكلة.
ثمّ الجعل المؤلّف لا يتوسّط بين الشّيء وبين نفسه ، كقولنا : «الإنسان إنسان» ، ولا بينه وبين شيء من ذاتيّاته ، كقولنا «الإنسان حيوان» لانحفاظ الخلط فى مرتبة الماهيّة من حيث هى هى ؛ والدّخول فى أصل قوامها ، بل يختصّ بالعرضيّات ، سواء كانت لوازم الماهيّات ، كقولنا : «الأربعة زوج» ، أو العوارض الممكنة الانسلاخ ، كقولنا : «الإنسان موجود ، والجسم أبيض» ، لعرى الذّات عنها فى مرتبة التقرّر ، وصحّة سلبها عن الماهيّة من حيث هى ولحوقها لها فى مرتبة متأخّرة.
وأمّا الجعل البسيط ، فافتقار الماهيّة إليه بحسب نفس الذّات وتقرّر القوام هو حدّ حريم الخلاف بين امم الحكمة من المشّائين والرّواقيّة والإشراقيّة من الاتّفاق على امتناع انسلاخ التّقرّر عن الوجود ، لصحّة سلب المعدوم عن نفسه على ضدّ ما يتوهّمه أقوام من المتكلّمين.
<٢> سياقة
لعلّ الحقّ لا يتعدّى مجعوليّة الماهيّات بالجعل البسيط ، كما فى القرآن العزيز ، من قوله ، عزّ من قائل : «وَجَعَلَ الظُّلُمٰاتِ وَالنُّورَ» (الأنعام ١ /) على معنى أنّ أثر الجاعل وما يفيضه ويبدعه أوّلا وبالذّات هو نفس الماهيّة ، ثمّ (٣) يستتبع ذلك جعلا مؤلّفا للموجوديّة ، مفاده خلط الوجود والماهيّة وصدق الحمل فى قولنا : «الإنسان