<٣ > ذنابة ردعيّة
بلغتنى مذاهب عجيبة فى مسائل فلسفيّة قد نبغت من شرذمة من المتفلسفة والمقلّدة فى هذه السّنين المتأخّرة. وليس يعلم لها ابتناء على ما قد كان يسلك فى عصور المعلّمين والرّؤساء.
ومن تلك المذاهب العجيبة : ما يظنّ أنّ مفاد العقد مطلقا هو ثبوت المحمول للموضوع أو سلبه عنه ، وتستوى فى ذلك الهليّة البسيطة والهليّة المركّبة مع ما يذعن للحكماء المحصّلين فيما يحكمون بأنّ الوجود المطلق الفطرىّ هو نفس الموجوديّة المصدريّة الانتزاعيّة ، ومطابق الحكم به على الماهيّة نفس ذات الماهيّة الواقعة فى ظرف الوجود ، لا الماهيّة الواقعة مع مفهوم ما غيرها ، انضمامىّ أو انتزاعىّ. وينكر على السّفهاء المهوّشين حيث يزعمون أنّ الوجود هو ما به الحصول ، لا نفس الحصول.
وإذ لم يحصل ما تلوناه عليك حسب أنّ ذلك الفرق يستلزم إسقاط النّسبة الحكميّة عن عقود الهليّات البسيطة بما هى عقود. ولا يستصحّه أحد.
فكلّ عقد عند قدماء الفلاسفة مؤلّف من أجزاء ثلاثة ، الحاشيتين والنّسبة الإيجابيّة أو السّلبيّة ؛ وعند متفلسفة المحدثين من أربعة أجزاء ، بناء على اختراعهم النّسبة الّتي هى مورد الحكم بزعمهم.
وكأنّك قد تعرّفت أنّه زيغ فاضح. فالمسقط فى الاعتبار هو الوجود أو العدم الرّابط ، أعنى النّسبة المضمّنة فى إحدى الحاشيتين ، وهى ولاء النّسبة الحكميّة الرّابطة بينهما. وأجزاء القضيّة هى الحاشيتان والنّسبة الرّابطة بينهما. وإنّما الافتراق بحسب بساطة الأجزاء جميعا فى البسيطة وتألّف أحدها فى المركّبة وبحسب ما يؤول إليه مفاد العقدين لا غير.
ثمّ ما أشدّ سخافة ما يتوهّم أنّ العدم إذا أخذ فى حيّز المحمول ، كقولنا : زيد معدوم ، لا يتصوّر العقد إلاّ موجبا ، مفاده ثبوته للموضوع ، وإن لو اعتبر سالبا كان