وممّا يستأهل أن يستغرب ، من كبراء المشّائيّة ولا سيّما من هذا الرّئيس الواسع التّعقّل النّافذ النّظر الراقد القريحة ، أنّهم يطّلعون على هذا السّرّ ، ثمّ يذهلون عن الحكم بأنّه كما لا يكون بحسب النّسبة السّلبيّة عنصر كذلك لا يكون بحسبها جهة. ولا يختلف ذلك باختلاف اللّغات ؛ إذ هو أمر عقلىّ لا يتجاوزه العقل فى مادّة أصلا.
أليس بين ثبوت العدم ـ وهو الّذي يعطيه الموجب المعدول أو الموجب السّالب المحمول ـ وبين عدم الثّبوت ، وهو الّذي يعطيه السّالب البسيط ، فرق على قياس الفرق بين لزوم السّلب وبين سلب اللّزوم ، أعنى بين لزوم العقد السّالب للمقدّم فى المتصل الموجب وبين سلب لزوم العقد الموجب له فى المتصل السّالب.
والحكم السّلبيّ ليس بما هو حكم سلبىّ إلاّ قطع النّسبة الإيجابيّة ، ولا يكون فيه إلى ذلك السّلب التفات حتّى يمكن للعقل ـ حين ما هو سالب للنّسبة بما هو سالب لها ـ أن يلاحظ حال مفهوم السّلب ويحكم عليه : بأنّه مفهوم أو متحقق أو منتف وغير ذلك. بل إنّما له من تلك الجهة أن يقول : ليس يتحقق النّسبة الإيجابيّة وليس فيه وضع شيء ما ليصحّ تكيّفه ، بل رفع بحت وليسيّة صرفة.
فإن أراد لحاظ حال هذه النّسبة عزل القصد عن حاشيتى النّسبة الإيجابيّة والتفت إلى ذلك السّلب القاطع لها. فإذن ، ليس يلحظ فى السّالب أن يسلب النّسبة الإيجابيّة إيجابا أو سلبا حتى تكون له جهة عند العقل ، بل إنّما يمكن ذلك فى لحاظ آخر عند ما ينسب إلى ذلك السّلب ثبوت أو سلب [بما هى نسبة سلبيّة].
وبالجملة ، إنّما يكون للشّيء حال بما هو شيء ، لا بما ليس هو بشيء. وإنّما يصحّ تكيّف الرّبط بما هو ربط ، لا بما ليس هو بربط. وليس السّلب بما هو سلب ربطا ولا شيئا من الأشياء ، وإنّما يكون له الشّيئيّة بما هو متمثّل فى الذّهن ، لا بما هو رفع الرّبط. وكذلك ليس الموضوع بما سلب فى نفسه أو بما سلب عنه المحمول شيئا ، ولا المحمول بما سلب عن الموضوع هو شيء ؛ بل إنّما الشّيئيّة للموضوع أو