البتّان. والضّرورة البتّانة هى الضّرورة الّتي جعلت جهة ربط المحمول الّذي جعلت إحدى الجهات الثّلاث جزءا منه. وهذا هو المطلوب فى العلوم والمقتنص بالحجج والبراهين.
فإذا رمنا فى العلوم تحصيل إمكان شيء أو امتناعه كان ذلك جزء المطلوب ، لا جهة له. والجهة على الإطلاق هى الضّرورة المطلقة ؛ ولا يمكننا أن نحكم حكما جازما بتّة إلاّ بما نعلم أنّه بالضّرورة كذا ، والإمكان للممكن ضرورىّ ، سواء كان الممكن ضرورىّ الوقوع أو اللاّوقوع فى وقت ما ، كالتّنفّس واللاّتنفّس ، أو لم يكن كذلك ، كالكتابة. فيصحّ : «كلّ إنسان بالضّرورة هو متنفّس وقتا مّا».
وكون الإنسان ضرورىّ التّنفّس وقتا مّا أمر يلزمه أبدا ؛ وكونه ضرورىّ اللاّتنفّس فى وقت ما ، غير ذلك الوقت ، أمر يلزمه أبدا فى الوجود الخارجىّ ، فإذن لا يعتبر من العقود إلاّ البتّان.
وإذا كانت الجهة الّتي تجعل جزء المحمول هى الضّرورة كفت الّتي هى جهة الرّبط عنها من غير تكوير ، فيقال ، مثلا : كلّ إنسان بالضّرورة هو حيوان ، أو يشار إلى كونها بتّاتة. لا مع إدخال جهة اخرى فى المحمول ، فيقال : كلّ إنسان بتّة هو حيوان. وإذا كانت هى الإمكان أو الامتناع وجعل العقد بتّاتا فلا بدّ من إدراج الجهة فى المحمول للأمر من أن يكون قولا مغلّطا. فإذن ، ينبغى أن لا يورد من العقود إلاّ البتّان.
وربما لم تر فئة من الرّواقيّة بأسا بترك التّعرّض للسّلب بعد التّعرّض للجهات ؛ لأنّ السّلب التّامّ هو الضروريّ ويدخل تحت الإيجاب الضّرورىّ إذا أورد الامتناع فى المحمول ، على ما تلى عليك ، كما يقال : «كلّ إنسان بالضّرورة يمتنع أن يكون حجرا». والسّلب الّذي هو غير تامّ ، وهو الممكن ، ينقلب سالبه إلى موجبه ، وموجبه يقع تحت الإيجاب البتّانىّ إذا اورد الإمكان فى المحمول. كما سمعت. فيستغنى عن مثل قولهم : «الإنسان يمكن أن يكون ليس هو كاتبا» بمثل قولهم : «الإنسان بالضّرورة يمكن أن يكون كاتبا».