ثمّ كان هذا من تصاريفه بعد ذلك الوضع أن اعتبر ذلك المعنى تارة فى جانب الإيجاب ، كما فى الوضع الأوّل وتارة فى جانب السّلب ، إذ من شأن الامتناع أن يدخل إمّا على الإيجاب وإمّا على السّلب. وحينئذ وقع على الممتنع وعلى ما ليس بواجب ولا ممتنع وتخلّى عن الواجب.
فثمّة يصير الإمكان مقابلا لكلّ واحد من ضرورتى الجانبين ؛ إذ بحسب دخوله على الإيجاب صار الممكن أن يكون غير ممتنع أن يكون وقابل ضرورة السّلب. وبحسب دخوله على السّلب صار الممكن أن يكون غير ممتنع أن لا يكون وقابل ضرورة الإيجاب. فإذن صار ملازما لسلب ضرورة أحد الجانبين لا بخصوصه بحسب ما يضاف إليه من الإيجاب والسّلب.
(٢) وأمّا هو قبل هذا الانضياف فهو بإزاء سلب الامتناع فقط. ولمّا لزم وقوعه على ما ليس بواجب ولا ممتنع فى حالتيه جميعا وضع بحسب النّقل الخاصّىّ لسلب الضّرورة فى جانبى الإيجاب والسّلب جميعا حتى يكون الشّيء بحسبه ممكنا أن يكون وممكنا أن لا يكون ، أى : غير ممتنع أن يكون (٦٣) وغير ممتنع أن لا يكون ، وهو الإمكان الحقيقىّ المقابل للضّرورتين جميعا ، وهو أخصّ من الأوّل.
فإذن ، كان الأوّل إمكانا عامّا أو عاميّا منسوبا إلى العامّة ، والثانى خاصّا أو خاصيّا ، وصارت الأشياء بحسبه إمّا واجبة وإمّا ممتنعة ، كما كانت بحسب المفهوم الأوّل إمّا واجبة وإمّا ممكنة أو إمّا ممتنعة وإمّا ممكنة.
(٣) ثمّ قد يقال : الإمكان ، ويعنى به ما يقابل جميع الضّرورات الذّاتيّة والوصفيّة والوقتيّة. وهو أحقّ بهذا الاسم من الأوّلين. فالممكن (أى ؛ فإنّ الممكن ، منه ره). بهذا المعنى أقرب إلى حاقّ الوسط بين طرفى الإيجاب والسّلب ، كالكتابة للإنسان إذ الطبيعة الإنسانيّة متساوية النّسبة إلى وجود الكتابة له أولا وجودها. والضّرورة بشرط المحمول وإن كانت مقابلة بهذا الإمكان بالاعتبار فربما تشاركه فى المادّة ، لكنّها توصف بتلك الضّرورة من حيث الوجود. وبهذا الإمكان من حيث الماهيّة لا الوجود. وحال هذا المعنى من اللّذين قبله يناسب حال