الأخصّ من الأعمّ.
ولسنا نقول : إنّه أخصّ منهما ؛ لأنّ الأخصّ والأعمّ هما اللّذان يدلاّن على معنى بعينه ويختلفان بأنّ أحدهما أقلّ تناولا وأضيق اعتبارا من الأمر. أمّا إذا دلّ أحدهما على عضة ممّا يدلّ عليه الآخر باشتراك اللّفظ ؛ فإنّه لا يقال له : إنّه أخصّ منه إلاّ بنوع من المجاز ، كما إذا سمّى واحد من السّودان ، مثلا ، بالأسود ، فلا يقال : إنّ الأسود يقع عليه وعلى صنفه بالخصوص والعموم. ولفظ الممكن هاهنا يقع على المعانى المذكورة ، بل على الأخير بجميعها بالاشتراك.
(٤) وقد يطلق الإمكان ويفهم منه معنى رابع : وهو أن يكون الالتفات فى الاعتبار ليس لما يوصف به الشيء فى حال من أحوال الوجود من إيجاب أو سلب ، بل بحسب حاله فى الاستقبال. فإذا كان ذلك المعنى غير ضرورىّ الوجود أو العدم فى أىّ وقت فرض له فى المستقبل فهو ممكن ، وهو الإمكان الاستقبالىّ.
وإنّما اعتبره فريق من الميزانيّين لكون ما ينسب إلى الماضى والحال من الامور الممكنة إمّا موجودا وإمّا معدوما ، فيكون قد ساقتها من حاقّ الوسط إلى أحد الطرفين ضرورة ما. والباقى على الإمكان الصّرف لا يكون إلاّ ما ينسب إلى الاستقبال من الممكنات الّتي يجهل حالها : أتكون موجودة إذا حان حينها أم لا.
وينبغى أن يكون هذا الممكن ممكنا بالأخصّ مع تقيّده بالقياس إلى الاستقبال ؛ لأنّ الأوّلين ربما يقعان على ما يتعيّن أحد طرفيه بضرورة ما ، كالكسوف ، فلا يكون ممكنا صرفا.
ومن اشترط منهم فى هذا أن يكون معدوما فى الحال فقد ركب شططا لا ينبغى ؛ فإنّه قد حسب أنّ جعله موجودا قد أخرجه إلى ضرورة الوجود ، ولم يتفطّن أنّ فرض العدم الحالىّ يسوقه إلى ضرورة العدم ، كما الوجود الحاليّ إلى ضرورة الوجود. فإن استنصر بذاك فقد أوجب أن يستنصر بهذا أيضا ؛ والواجب فيه أن لا يلتفت إلى الوجود الحالىّ ولا إلى عدمه ، بل يقتصر على اعتبار الاستقبال. فاعلم أنّ الوجود لا يمنع الإمكان. أليس إمّا أن يعتبر من حيث يقتضيه ضرورة ما