ولا بممتنع بالذّات ، فكذلك هو من تلك الحيثيّة ليس بممكن بالذّات أيضا. وقد أفتيتنا أنّ كلّ ممكن بالذّات فإنّه فى مرتبة ذاته وفى حدّ حقيقته ممكن بالذّات ومختصّ باستحقاق سلب ضرورة الطرفين عنه من حيث ذاته ، فلم ذلك وهو من تلك الحيثيّة متساوى النّسبة إلى سلب الضّرورة وسلب سلب الضّرورة ، وبالجملة ، إلى أىّ سلب من السّلوب.
وأيضا ليس يتعيّن له بما هو هو وجوب أو إمكان أو امتناع ، وإنّما يتعيّن الإمكان فى المرتبة المتأخرة عن مرتبة الذّات. فإذن لا بدّ من اقتضاء من الذّات للإمكان ، وليس سبيله سبيل الوجوب الّذي هو عين حقيقة الواجب بالذّات.
فيفصح لك تدليس الوهم المسفسط عليك ويكشف تلبيسه فى هذا القول المغلّط ، لأن يغتالك بأن يقال : سينكشف من ذى قبل ـ إن شاء اللّه تعالى ـ أنّ سلب أىّ مفهوم فرض من عوارض الشّيء عنه ، من حيث هو هو ، إنّما ينبغى أن يقدّم على من حيث هو ، حتّى تعود الحيثيّة جزءا من المحمول ويكون السّلب واردا على الثّبوت من تلك الحيثيّة ، لا أن يؤخّر حتّى يصير من حيث ذنابة للموضوع وقيدا له ، فإن فعل ذلك فربما يكذب مطلقا. وذلك إذا كان مدخول السّلب ممّا لا يصحّ أن يكون الموضوع عروا منه فى نفس الأمر بوجه من الوجوه أصلا.
فالصّحيح هو أنّ الإنسان ليس من حيث هو إنسان ليس هو بضرورىّ الطرفين ؛ إذ ليس صدق سلب ضرورة الطرفين عنه من حيثيّة الإنسانيّة ، بل من حيث عدم اقتضائه شيئا من ضروريّة الطرفين ، لا أنّ الإنسان من حيث هو إنسان ليس هو بضرورىّ الطرفين ، إذ الإنسان من حيث هو إنسان شيء ما من الأشياء ، وكلّ شيء من الأشياء فهو إمّا ضروريّ أحد الطرفين أو ليس بضرورىّ الطرفين. وليس يسوّغ العقل خلوّه عن الثّلاثة جميعا ، كما دريت :
وليس الإنسان من حيث هو إنسان واجبا ولا ممتنعا. فهو من حيث هو إنسان ليس بضرورىّ الطرفين ، وإن حكم الفحص أنّ لا ضرورة الطرفين ليست من حيث ما هو هو ، بل من حيث عدم اقتضائه الضّرورة المسلوبة. فإذن ، قد فكّت عقدة خوف العثرة (٧٣) بإزاء خضرة السّفسطة.