وبالجملة ، الماهيّة من حيث هى هى ما دامت تلحظ بذاتها من تلك الحيثيّة ولم يلتفت إلى أمر ما غيرها لم يصدق الحكم عليها إيجابا إلاّ بنفسها وبجوهريّاتها.
فإذا لوحظت ضرورة الطرفين ونسبت إلى ذاتها من حيث ذاتها صدق الحكم بسلبها عنها سلبا بسيطا تحصّليّا على أن تؤخذ الحيثيّة حالا للموضوع ، ومصداق الحكم السّالب عدم اقتضاء الذّات لما نسبت إليها ، لا اقتضائها لإثبات أو سلب. وإنّما كان يعوز الأمر إلى ذلك لو كان الحكم بإيجاب شيء ما لها ، كالزّوجيّة للأربعة.
فإذن ، نسبة الإمكان إلى الماهيّة سبيلها سبيل نسبة الوجوب إلى الواجب بالذّات فى عدم الإعواز إلى اقتضاء من الذّات. وليس ذلك السّبيل فى مصداق الحكم ؛ فإنّ المصداق هناك ذات الواجب بذاته ، وفى الإمكان نفس الماهيّة بما ليس لها اقتضاء الضّرورة أصلا. فإذن ، تعيّن استحقاق الماهيّة للإمكان مع تأخّره عن مرتبة الماهيّة وعدم اقتضاء من الماهيّة واستحالة انسلاخ عنه.
وأمّا التّفصّى بانسلاخ الماهيّة عن الإمكان من حيث هى هى لا يستلزم صحّة انسلاخها عنه فى نفس الأمر ؛ لأنّها أوسع من هذه اللّحاظة على سياق ما يقال فى عامّة العرضيّات الثّبوتيّة المخلوط بها الشّيء فى نفس الأمر ، لا بما هو هو ، فكاد يكون هاهنا قياسا بلا جامع.
ولست أرى أن يستباح به حلّ هذا العقد إلاّ على أنّه من قبيل الامتحانات ، لا على أنّه من الفتاوى ، على ما عرّفناكه ؛ فإنّ ذلك إنّما يستتبّ فيما لا يجب أن يستوعب هو ومقابلاته كافّة المفهومات بقاطبة الحيثيّات.
والقسمة إلى الواجب بالذّات والممتنع بالذّات والممكن بالذّات ، حقيقة عامّة تستغرق أىّ مفهوم كان بأيّة حيثيّة أخذت فيه ، وليس فى طوق العقل أن يخترع اعتبارا تعمّليّا أو انتزاعا حقيقيّا يخرج عن شمولها ، وأنّ كلّ مفهوم موجود أو موهوم ، معقول أو محسوس ، صادق أو كاذب ، فهو فى حدّ ذاته من حزب واحد منها ولو لوحظ بأيّة حيثيّة حيّثت بها محقّقة أو مقرّرة.
ثمّ لعلّك تقول : الوجوب هو ضرورة الوجود بالغير ، ونقيضه سلب ضرورة الوجود بالغير ، وهو ممكن بالنّظر إلى ذات الممكن ، وكذلك نقيض الامتناع