والوحدة ومضاهياتها على قياس ما قد قرع سمعك فى الوجود امورا زائدة على الأشياء فى الأعيان. وهذه الفرقة تتكلّف بهذا الضابط المحفوف بالفسخ تهويشات مشوّشات لاصول منضبطة على سبيل الاستمرار اللاّزم. وبإزاء هؤلاء ثلّة من الآخرين يعترفون بأنّ تلك امور هى زائدة فى مفهوماتها على الماهيّات ، إلاّ أنّها لا صور لها فى الأعيان يحاذى بها ما فى الأذهان ، فهؤلاء هم المعتبرون من النّظر من الفريقين.
وربما تسمع فئة من محدثة أقوام يقولون : هذه الامور لا تزيد على الماهيّات الّتي تضاف إليها ذهنا ولا عينا. وهؤلاء ليسوا من أهل المخاطبة ، وكلامهم أخسّ من أن يستأهل لأمر هيّن فضلا عن البحث. فأنت تعلم من نفسك أنّه إذا قيل : الفرس ممكن الوجود والإنسان ممكن الوجود ، لا يعنى بإمكان الوجود فى الفرس نفس الفرس ، وفى الإنسان نفس الإنسان ، بل معنى واحد يقع عليهما. ولو عنى بإمكان الوجود الفرسيّة وقيل : الإمكان على الإنسان بالمعنى الّذي قيل على الموصوف بالفرسيّة فقد قيل : الإنسان على الفرسيّة. فمثل الإمكان إذا قيل على مختلفات الحقائق فليس هو تلك أو واحدا منها ، بل أمر آخر يعمّها.
والعجب ـ كما قال بعض حملة عرش العلم والتّميز (١) ـ أنّ هؤلاء موافقون أبناء الحقيقة فى الاحتجاج على وجود الصّانع ـ عزّ شأنه ـ بأنّ العالم ممكن ، وكلّ ممكن فاقر إلى مرجّح ، ثمّ إذا باحثوا فى الإمكان يقولون : هو نفس الشّيء الّذي يضاف إليه ؛ فكأنّهم قالوا : العالم عالم. وكذا حال غير الإمكان.
<١٥> دعامة عقليّة
إنّ الطبائع المستوعبة ، منها ما طباع نوعه إذا كان له صورة متحققة أن يتكرّر متسلسلا مترادفا يتولّد منه فى الوجود سلاسل متولّدة معا إلى لا نهاية ، كالوجود والوجوب والإمكان والوحدة.
__________________
(١). غنى به شيخ أتباع الإشرافيّة صاحب المطارحات ، منه (ره).