فكما أنّه إذا كانت للوجود صورة عينيّة وراء الماهيّة الموجودة كان له وجود عينىّ ولوجود الوجود أيضا إلى لا نهاية ؛ ثمّ لمجموع السّلسلة وجود آخر متسلسل مرة ثانية إلى لا نهاية اخرى وهكذا ؛ ولا يكون الوجود الأصل حصول إلاّ بحصولها جميعا.
فكذلك الوحدة إذا كانت فى الأعيان وراء الماهيّة كان للماهيّة دون الوحدة وحدة ، وللوحدة دونها وحدة أخرى ، وللوجود وحدة ، وللوحدة وجود ، وتعود اللاّنهاية مترادفة متضاعفة. وكذلك فى الإمكان والوجوب ، ويتولّد سلسلة اخرى على التّضاعف بين الإمكان والوجود ، فللإمكان وجود ولوجود الإمكان إمكان ؛ إذ لو وجب لم يكن عارضا ، ووراء تلك سلاسل إلى لا نهاية فى التّضايف بين الإمكان والوجوب بالغير وبين الوجود والوجوب وبين الوحدة والوجوب. فإذن ، كلّ ما هذه شاكلته ، فإنّه لا يكون له صورة فى الأعيان ولا هو بحسب الأعيان شيء وراء الماهيّة.
وبالجملة ، لو زاد الإمكان على الماهيّة فى الأعيان ، فإن كان واجبا فى نفسه لم يكن يوصف به غيره ، وإن وجب بنسبته إلى الماهيّة فهو معلول ممكن بالذّات واجب بالغير ، وكلّ ممكن إمكانه قبل وجوه ، إذ يقال : «أمكن فوجد ، لا وجد فأمكن» وكذلك وجوبه بالغير ، فإنّه يجب فيوجد ؛ فيعاد الكلام إليه ويذهب أعداد إمكاناته ووجوباته مترتبة إلى لا نهاية ، ولا يزال كلّ من وجوده وإمكانه ووجوبه (٧٦) يتكرّر على الآخر. فإذن ، هذه الأمور طبائع انتزاعيّة والاعتبارات الذّهنيّة لا حدّ لها بالوقوف ولا مبلغ لها متعيّن التّخصّص من الحصول فى لحاظ العقل.
وهذا ما رام من قال : «خطرات الأذهان لا يجب فيها النّهاية» ، إذ ليس الإخطار يدوم حتى يدوم تكرّر الخطرات ، وقد يعنى بوجود ما لا نهاية له فى الذّهن تصوّر مفهوم اللانهاية مع الحكم بصدقه على مفهوم ما أو لا صدقه عليه. ولو لم يكن ذلك لما صحّ لنا أن نسلب مفهوم اللاّنهاية عن شيء ما أصلا.