فإذن ، يتمثّل هذا المفهوم فى الذّهن ولا يلزم حصول ما لا نهاية فيه ، كما فى لحاظ مفهوم اجتماع النّقيضين والمعدوم المطلق وما فى حزبه. وقد تلى عليك فيما قد سلف. وهذا المعنى ممّا يفتقر إلى قريحة تامّة وحسن تأمّل غائر.
<١٦> هدم بهتيّ
وممّا تزلزلت به قاعدة الثّلاثة المتكفلة لحاظ الأمر فى المعلول الأوّل ، إذ هو أيضا من الحوادث الذّاتيّة المسبوق وجودها بالإمكان. وقد اعترفت بذلك هذه الفرقة. فلو كان إمكانه أمرا عينيّا وراء ماهيّته دار بين أن يكون واجبا بذاته ، ولا واجب فى الوجود إلاّ واحد ، ثمّ ما يجب بذاته كيف يكون صفة لشيء ؛ وبين أن يستند إلى جاعل المعلول الأوّل المفروض له ، ويكون لا محالة متقدّما عليه فى المجعوليّة ، لتقدّم الإمكان ولاستحالة التكثّر فيما يصدر عن الجاعل أوّلا ، فيكون هو المعلول الأوّل ، لا معروضه ، ويعاد القول إلى إمكان الإمكان ، ويساق لا بنهاية. فيلزم أن لا يكون للجاعل مجعول أوّل ، وهم يناهتون بذلك.
ورئيس مشّائيّة الإسلاميّة كلّما احتال للخروج إلى المنتدح فى تعليق له بعد الشفاء سمّاه بالإنصاف والانتصاف فلم يزدد إلاّ شدّا لإعضاد الوقوع فى المضيق.
<١٧> مخلص قسطاسيّ
فإذن ، هذه الطبائع ، بسائر مضاهياتها ، اعتبارات ذهنيّة انتزاعيّة ليست من الامور العينيّة ولا من العدميّات بمعنى عدمات الأشياء وسلوبها الّتي يؤخذ فيها رفعها.
فالإمكان وإن كان سلب الضّرورة سلبا بسيطا ، لكنّه عدم الماهيّة أو عدم الوجود ، بل هو عدم ضرورة تجوهر الماهيّة المتجوهرة وعدم ضرورة لا تجوهرها ، وعدم ضرورة وجودها وعدمها ، فهو اعتبار عقليّ فى الماهيّة المتقرّرة. ويعتبر فى مفهومه ما يوجب أن يكون لحاظه فى الماهيّة بما هى متقرّرة ، لا بما هى منتفية فى نفسها. ولذلك لا يصدق عليها بما هى ليست فى