مكوّن الكون ومشيّئ الشّيء.
لست أقول : مكوّن الكون كونا ومشيّئ الشّيء شيئا ، فاحدس : أنّ حمل الوجود يشابه حمل الذّاتيّات من وجه ويباينه من وجه ويباين حمل لوازم الماهيّة من كلا الوجهين مباينة صرفة ؛ وأنّ سبق الماهيّة على الوجود سبق بالماهيّة ، وما به السّبق فيه تقرّر الماهيّة ، لا سبق بالطبع أو بالعلّيّة ، فما به السّبق فيهما الوجود أو عارضه ، أى الوجوب. فليس للماهيّة مرتبة وجود يتصوّر بحسبها سلب الخلط بالوجود ، وإنّما لها مرتبة فعليّة وتقرّر ليست بما هى هى بعينها مرتبة انتزاع الوجود ، أى الوجوديّة المصدريّة ، بل إنّما هى مستتبعتها وغير منسلخة عن اقترانها مطلقا ، وذاتيّات الماهيّة أيضا لها تقدّم بالماهيّة عليها من حيث التّقرّر ، ويحكم العقل بأنّ الجعل البسيط المتعلّق بالماهيّة بالإصدار إنّما الأحقّ أن يتعلّق بالإصدار أو لا بها ثمّ بالماهيّة ، كما أنّ لها تقدّما بالطّبع أيضا على الماهيّة بحسب الوجودين ، فقد اجتمع فيها نحوان من التّقدّم.
ثمّ إنّ هناك فحصا على شدّة غموض ، كأنّا قد سقنا إليه فطانتك ؛ فإنّ الماهيّة فى مرتبة الصّدور ، وهى بعينها مرتبة التّقرّر تتأخّر عن مقوّماتها وتتقدّم على الوجود ، فيكون نسبة الوجود والذّاتيّات إلى الماهيّة على التّعاكس ، ولكن على سبيل أنّ تعلّق الجعل البسيط بالماهيّة متأخّر عن تعلّقه بعينه بالذّاتي ومتقدّم بحسب تلك المرتبة بعينها على متعلّق الجعل المؤلّف للوجود ، أى : إنّ الماهيّة موجودة.
لست أقول : على جعل مؤلّف يتعلّق به ؛ فإنّ صدق هذه الهيئة الحمليّة بنفس استتباع تعلّق الجعل البسيط بالماهيّة لذلك ، لا بجعل مؤلّف يتعلّق به متأخّر عن الجعل البسيط للماهيّة أو فى مرتبته ؛ إذ تلك ليست إلاّ سنّة سائر العوارض غير الوجود ؛ وفى الذّاتيّات ليس يتقدّم على جعل مؤلّف يتوسّط بين الماهيّة وبين ما هو ذاتىّ لها ، فقد عرفت استحالته ، ولا على متعلّقه ، كقولنا : «الإنسان حيوان» فقد عرفت أنّه لا استتباع هناك ، بل مجرّد اقتران على وجه الاتّفاق.
وإذا لوحظ الوجود على أن يصلح متعلّقا للجعل البسيط ، أى الموجوديّة من حيث إنّها مفهوم ما ، لا بمعنى أنّ الماهيّة موجودة ربما تعلّق به جعل بسيط مباين للجعل