له ثبوت ، وما له ثبوت فهو ثابت.
وقد تكلّفه رئيس أتباع المشّائيّة فى منطق الشفاء ؛ فإن عنى إعطاء أنّ الإمكان من الموجودات العينيّة فالكذب فيه ظاهر ، وإن عنى إنّه ليس من الأعدام ، بل من المحمولات العقليّة على الموجودات العينيّة والذّهنيّة ، فذاك هو ما رامته الثلّة المحصّلة.
ومعنى إمكانه لا سلب الوجود العينىّ عن إمكان الشّيء ، أى : إنّ وصف الإمكان فى نفسه لا يكون إلاّ فى الذّهن. ومعنى «لا إمكان له» سلب الإمكان عن الشّيء ؛ أى إنّه لا يصدق عليه ذلك الوصف ، كما فى الامتناع والقدم والحدوث وسائر الطبائع الذّهنيّة ، وما لا يحمل عليه الوجود فى الأعيان قد يكون محمولا على الأشياء العينيّة وصادقا عليها. وذلك أحد معنى الوجود الرّابطىّ. وأمّا التّحدّد بالوجود فإنّما يلزم فى العدم ، لكونه سلب الوجود ، لا فى مطلق السّلب ؛ فإنّ من السّلب سلب جوهر الماهيّة ، وهو فوق سلب وجود الماهيّة. وإنّما يلحظ فى إزاء مرتبة التّجوهر الّتي هى فوق مرتبة الوجود.
فقد كان ممّا استبان لك أنّه قد يكون السّلب لطبيعة السّلب فضلا عن طبيعة اخرى عينيّة أو ذهنيّة. نعم لا يكون المسلوب بسلب سلبا لسلبه ، فيكون ثبوتا إضافيّا بالقياس إليه. وهذا الثّبوت الإضافىّ ، سواء كان فى نفسه سلبا أو ثبوتيّا حقيقيّا هو المعتبر فى تحديد السّلب بهذه الطبيعة الإطلاقيّة.
وإنّما ينبغى أن يعنى بذلك ، على ما أقرّ به فى الشّفاء أنّ الثّبوت ـ وأعنى به الإضافىّ المطلق أعمّ من أن يكون حقيقيّا فى نفسه أو بالإضافة فقط ـ يقع جزءا من بيان السّلب ، لا أنّه موجود فى السّلب ، كما ذهب إليه بعض أتباع أرسطاطاليس ، من المفسّرين لكلماته ، فالمسلوب يستحيل أن يوجد مع سلبه.
ومن قال : «البصر جزء من العمى» ليس يقصد منه أنّ البصر موجود مع العمى ، بل يقصد أنّ العمى لا يمكن أن يحدّ إلاّ بأن يضاف السّلب فى حدّه إلى البصر ، فيكون البصر أحد جزئى البيان وإن كان ليس جزءا من نفس العمى.