<١٩ > شكّ وتحقيق
ربما يتشكّك فيقال : جعل الإمكان وشقيقه ومضاهياتهما من الاعتبارات العقليّة إنّما يبتّ تولّد السّلاسل المتولّدة إلى لا نهاية فى الأعيان وليس يحسم لزوم ذلك فى اعتبار العقل باللّحاظ التّفصيلىّ ؛ فإنّ اتّصاف الشّيء بالإمكان يجب أن يكون على سبيل الوجوب فى لحاظ العقل وإلاّ لزم جواز الانقلاب ، فيكون لإمكانه وجوب فى العقل. واتّصافه بذلك الوجوب أيضا على جهة الوجوب ، وهكذا إلى لا نهاية ، على أنّ كونه ممكنا لو كان بالإمكان لأوجب اللاّنهاية أيضا. ولعلّ تسويغ اللاّنهاية فى خطرات الذّهن على اللّحاظات التّفصيليّة أكبر إثما فى التّزوير من تسليم ذلك فى حضرات الأعيان.
ويزاح : بأنّ لزوم التّسلسل اختلاف من غير انسياق الأمر إليه ؛ فإنّ الإمكان ، مثلا ، أمر عقليّ ملحوظ على أنّه حال للماهيّة. فمهما اعتبر العقل للإمكان ماهيّة ووجودا حصل فيه إمكان وانبتّ عند انبتات الاعتبار ، وأنّ هناك نكتة يجب أن تحقّق ولا تنسى ؛ فإنّ كون الشّيء معقولا ـ ينظر فيه العقل ويعتبر تجوهره ولا تجوهره ، ووجوده ولا وجودة ـ غير كونه آلة للعاقل ، ولا ينظر فيه من حيث ينظر فيما هو آلة لتعقّله ، بل إنّما ينظر به. مثلا ، ريثما العاقل يعقل السّماء بصورة فى عقله ويكون معقول السّماء لا ينظر حينئذ فى الصّورة الّتي بها يعقل السّماء ولا يحكم عليها بحكم ، بل يعقل أنّ المعقول بتلك الصّورة هو السّماء ، وهو جوهر.
ثمّ إذا نظر فى تلك الصّورة ، أى جعلها معقولا منظورا إليها ، لا آلة فى النّظر إلى غيرها ؛ وجدها عرضا موجودا فى محلّ هو عقله ممكن الوجود. وهكذا الإمكان هو كآلة للعاقل بها يتعرّف حال الممكن فى أنّ ماهيّته كيف تقرّرت ، ووجوده كيف يعرض لماهيّته ؛ ولا ينظر فى كون الإمكان ماهيّة متجوهرة ، أو ليس هو من الماهيّات المتجوهرة وكونه موجودا أو غير موجود ، وكون الماهيّة المتجوهرة جوهرا أو عرضا أو واجبا أو ممكنا أو شيئا ما من الأشياء.