ثمّ إن انعطف إلى الالتفات إليه ونظر فى تجوهره ووجوده أو إمكانه ووجوبه أو جوهريّته أو عرضيّته لم يكن بذلك الاعتبار امكانا لشيء ، بل كان عرضا فى محلّ هو العقل وممكنا فى ذاته ووجوده ، إلى غير ذلك ، من اعتبارات غير محصورة.
فإذن ، الإمكان بما هو إمكان لا يوصف بكونه ماهيّة ما متجوهرة ، أو أنّه ليس بمتجوهر الماهيّة وبكونه موجودا أو غير موجود أو ممكنا أو غير ممكن. وإذا وصف بشيء من ذلك فإنّه لا يكون حينئذ إمكانا ، بل يكون مفهوما ما له إمكان آخر غير نفسه.
وبالجملة ، الإمكان من حيث هو قائم بالذّهن ليس بإمكان ، ومن حيث هو متعلق بمتصوّر لا يعتبر حصوله فى الذّهن ، أو لا حصوله فيه ولا حصوله بشيء أو لا حصوله له ؛ بل إنّما يلحظ بحصول شيء على سبيل الإمكان.
وإذا تحققت الأمر على هذا النّمط انكشفت لك جليّة ما اشتبه على من ليس هو من أبناء الحقيقة (٧٩) وأولياء التّحقيق وزالت الحيرة الباهتة لغير اولى التّحصيل من الأقوام.
وهذا الأسلوب مطّرد فى جملة الطبائع الاعتباريّة المتكرّرة ، كالوجوب والوحدة واللّزوم ومضاهياتها ؛ فإن أعيد إيهام أعضال العقدة : بأنّ العقل يجد أنّ شيئا من اللّزومات الصّحيحة الانتزاع إلى لا وقوف لو لم يكن محكوما عليه ، بامتناع الانفكاك عن الملزوم الأصل ؛ لانفسخ ضابط اسّ اللّزوم.
فإذن ، يجب أن يصدق الحكم الإيجابيّ باللّزوم على كلّ لزوم إلى لا نهاية ، وطباع الرّبط الايجابىّ يستدعى بحسب الصّدق وجود الموضوع ، فيلزم تحقّق تلك اللزومات من حيث كونها موضوعات لإيجابات صادقة.
قيل : ألم يستبن أنّ اللّزوم إنّما يكون لزوما إذا اعتبر بما هو نسبة رابطة بين الملزوم واللاّزم ، لا بما هو مفهوم ملحوظ فى نفسه. فإذن ، هو بما هو لزوم ليس يسع أن يثبت له شيء أو يسلب عنه شيء أو ينظر فى لزومه أو لا لزومه لشيء ؛ بل إنّما يسع ذلك ويصلح له لو لوحظ بما هو مفهوم ما فى نفسه. وإنّما يستتبّ لحاظه