التّقرّر ، وهذا الشّيء هو فى حيّز الإمكان. ومنها : ما إذا اعتبر بذاته يجب تقرّره ووجوده على أنّه بنفسه متقرّر وبذاته مصداق حمل الموجود عليه ، لا باستناده إلى شيء ولا بقيام شيء ما به ، أو انتزاع شيء ما عنه. وبالجملة ، لا بلحاظة ذاته بالإضافة إلى شيء ما غير ذاته ولا باقتضاء من ذاته لذلك ، بل بنفس ذاته ، لا بعلّيّة ما من غير ذاته أو من ذاته ، فيكون لا محالة ماهيّته إنيّته ولا ماهيّة له وراء إنيّته. وهذا هو القيّوم الواجب بالذّات. فأمّا ما يقتضي ذاته وجوده فهو مفهوم لا يخرج عن بقعة الإمكان فى ظاهر التّصوّر.
ثمّ النّظر البالغ والفحص الفاصل يحيلانه (٨٠) بحكم قاضى البرهان ، ويقضيان بأنّ الشّيء لا يكون مقتضيا لوجوده ، فإنّه إن كان متجوهر الحقيقة بنفسه كان يحمل الموجود على حقيقته بما هى حقيقته من غير لحاظة حيثيّة ما أصلا ، لا تقييديّة ولا تعليليّة ؛ وإن كان تجوهر حقيقته بإفاضة جاعل كان حمل الموجود على نفس تلك الحقيقة المتقرّرة بلحاظة حيثيّة تعليليّة هى صدورها عن جود الجاعل واستنادها إلى حضرته.
فالحقيقة المتقرّرة بنفسها وجود هو موجود بنفسه ، لا بوجود عارض له ، وهو الواجبيّة. فإذن ، ماهيّة الحقّ هو الواجبيّة ، والأوّل ـ تعالى ـ وجود محض غير عارض لماهيّة أصلا.
وكلّ ما له ماهيّة وراء الإنيّة فهو معلول ، وسائر الأشياء غير الواجب فلها ماهيّات، تلك هى الّتي بأنفسها ممكنة التّجوهر والوجود ، وإنّما تتجوهر بجاعل ، ويعرض لها وجود من خارج.
فإذن ، الأوّل لا ماهيّة له ؛ وذوات الماهيّات ـ وهى جملة البواقى ـ منه تفيض ماهيّاتها ووجوداتها. ونسبة جملة الحقائق والوجودات إليه كنسبة الأضواء إلى ضوء الشّمس ؛ فهى بسببه ، وهو مستغن عن ضوء آخر ، لو كان لضوء الشّمس قيام بذاته ، لكن ضوء الشّمس متعلّق بموضوع.
والوجود الأوّل لا موضوع له ، وهو ضوء حسّيّ ، متناهى مرآت الإضاءة