ومتناهى شدّتها ، والوجود الحقّ نور حقيقيّ هو وراء ما لا يتناهى بما لا يتناهى شدّة وعدّة ، وأنوار عالم العقل فى شدّة نوريّته داهشة مبهورة. فإذن ، الموجود أعمّ ممّا يكون متّصفا بالوجود وممّا هو عين الوجود المحض المتمجّد عن الماهيّة.
فإن استصغرنا أمر اللّغة فى معرض الحقيقة ـ بعد وضوح المقصود المحصّل ـ قلنا : قولنا : «واجب الوجود موجود» لفظ مجاز ، معناه : أنّه يجب وجوده ، لا أنّه شيء موضوع فيه الوجود.
وإن عبأنا بما استمرّت عليه الإطلاقات اللّغويّة والعرفيّة ، صونا لأبناء المدارك العاميّة عن التّهويش ؛ قلنا : معنى الموجود : ما قام به الوجود ، أعمّ من أن يكون قياما حقيقيّا على طريقة قيام الوصف بموصوفه ، انضماميّا كان أو انتزاعيّا ؛ أو يكون على سبيل قيام الشّيء بذاته الّذي مرجعه عدم القيام بالغير ، وكون إطلاق القيام على هذا المعنى مجازا لا يستلزم أن يكون وقوع الموجود على هذا القسم على المجاز ، لا على سبيل الحقيقة. فالوجود القائم بذاته هو وجود نفسه ، كما أنّ الوجود القائم بالشّيء هو وجود ذلك الشّيء.
أفليس إذا قامت الحرارة بذات ما كانت حرارة تلك الذّات. فإذا فرض أنّها قامت بذاتها تكون حرارة نفسها. فيكون لا محالة حرارة وحارّا. والضّوء إذا قام بشيء كان ضوء ذلك الشّيء ، فإذا قام بنفسه صار ضوء نفسه ، فصار ضوءا ومضيئا بنفسه ، لا بضوء يعرضه. وهذا ما نعنيه بقولنا : «واجب الوجود ماهيّته إنيّته».
ولسنا نعنى بذلك : أنّ الواجب له وجودان : خاصّ وهذا المطلق الفطريّ ؛ ولا أنّه فرد من أفراد هذا الوجود المطلق الانتزاعىّ الفطرىّ الكنه. وكيف يذهب إليه ذو تحصيل من أبناء الحقيقة وأولياء الحكمة. أيتصوّر أن يكون ذات الذّوات وأصل الحقائق وينبوع الإنيّات امورا اعتباريّا.
بل إنّما نعنى : أنّ هذا المعنى الانتزاعىّ المطلق الفطرىّ المشترك فيه بالقياس إلى قاطبة الموجودات ، أى الماهيّات المتقرّرة ، ليس عين شيء من الحقائق ؛ بل عينيّته لحقيقة الواجب بالذّات ، معناها أنّ مصداق حمله عليه هو ذاته بذاته ،