وزيادته على الحقائق المتجوهرة بالجاعل ، وهى ما سوى القيّوم الواجب بالذّات ، معناه : أنّ مصداق حمله ، على أىّ شيء كان غير ذلك الوجود الحقّ ، نفس ذاته من حيث هى مجعولة الغير. فما ينتزع منه الموجوديّة فى الممكن هو نفس ذاته من حيث هى من الجاعل ، وفى الواجب نفس ذاته من حيث هو بنفسه ، لا من جاعل ـ عزّ من ذلك.
أما كنت قد تحقّقت من قبل أنّ الوجود المطلق إنّما كان يصحّ أن يسلب عن الممكن فى مرتبة ذاته ؛ لأنّه لم تكن له ذات متقرّرة إلاّ بجعل جاعل ؛ وليس مطابق الحكم بالموجوديّة إلاّ نفس الذّات المتقرّرة. فالحيثيّة الّتي هى مصداق حمل الوجود هناك تعليليّة راجعة إلى كون الذّات صادرة عن الجاعل.
فأمّا من هو متقرّر فى ذاته بنفس ذاته وفالق لظلمة السّلب المستوعب بإخراج الماهيّات بأنفسها من اللّيس المطلق المستغرق المبتلع لذوات الطبائع الإمكانيّة وهويّاتها على الإطلاق إلى الفعليّة والأيس اللاّحق ؛ فإنّه لا محالة هو المحكيّ عنه بالوجود بنفس ذاته ومطابق الحكم ومصداق الحمل بصرف حقيقته ، لا بقيام وجوديه واقتضاء منه لصدق الموجود عليه. فلعلّك إذا استيقنت ذلك كنت من المهتدين.
<٢١> استيناف تفصيليّ
بلغنى عن فئة (١) متغلّطة متسفسطة محدثة متسمّية بالمتكلمين ، مستحلّة لأن يكون القيّوم الواجب بالذّات ـ تعالى شأنه ـ بحيث يصحّ أن يحلّله العقل إلى ماهيّة وإنيّة ، تعالى اللّه عمّا يقولون فيلحدون فى القول علوّا كبيرا ؛ إنّهم يسوّغون كون الشّيء علّة مقتضية لوجوده ، ويظنّون أنّ الواجب بالذّات من هو مفيض لوجوده.
فبعض أبناء البشر (٢) فصّل : بأنّ مراتب الموجودات فى الموجوديّة بحسب
__________________
(١). عنى بهذه الفئة الأشعريّة. منه ، ره.
(٢). صاحب الشجرة ، تبعه صاحب الثمرة.