تقسيم العقل فى أوّل اللّحظ قبل تحكيم الفحص ثلاث لا مزيد عليها.
< مراتب الموجودات ثلاثة >
(١) أدناها : الموجود بالغير ، أى الّذي يوجده غيره. فهذا الموجود له ذات ووجود يغاير ذاته وموجد يغايرهما. فإذا نظر إلى ذاته وعزل النّظر عن موجده أمكن فى نفس الأمر انفكاك ذاته عن الوجود وانسلاخ عالم الوجود عنه ، ولم يرتب فى ذلك أحد ، ولا يستراب فى أنّه يمكن أيضا تصوّر ذلك الانفكاك ، فالتّصوّر والمتصوّر كلاهما فى بقعة الإمكان. وهذه حال الماهيّات الممكنة ، كما هو من الذّائعات المسلّمة عند الأقوام.
(٢) وأوسطها : الموجود بالذّات بوجود هو غيره ، أى الّذي يقتضي ذاته وجوده اقتضاء تامّا يستحيل معه أن لا يكون موجودا. فهذا الموجود له ذات ووجود يغاير ذاته ويمتنع انسلاخه عن الوجود بالنّظر إلى ذاته لكن يمكن تصوّر هذا الانسلاخ. فالمتصوّر محال والتصوّر ممكن. وهذه حال الواجب الوجود تعالى على مذهب جمهور المتكلّمين.
(٣) وأعلاها : الموجود بالذّات بوجود هو عين ذاته. فهذا الموجود ليس له وجود يغاير ذاته (٨١). فلا يمكن هناك تصوّر الانسلاخ عن الوجود ، بل الانفكاك وتصوّره كلاهما محالان.
ولا يشتبه على ذى مسكة : أنّ هذه المرتبة فى الموجوديّة أقوى ما يتصوّر من المراتب، ولا يمكن تصوّر مرتبة هى فوق هذه المرتبة الثّالثة الّتي هى حال الواجب ـ تعالى ـ عند ثلّة هم فئة الحقّ وفريق التّحقيق من ذوى بصائر ثاقبة وأنظار صائبة.
وضرب لذلك مثلا. وهو أنّ مراتب المضىء فى كونه مضيئا ثلاث أيضا. الأولى : المضىء بالغير الّذي استفاد الضّوء من غيره ، كوجه الأرض ، وقد استضاء من الشّمس بالمقابلة. فمنها مضىء وضوء يغايره وشيء ثالث يفيده الضّوء. الثّانية : المضىء بالذّات بضوء هو غير ذاته ، أى الّذي يقتضي ذاته ضوءا ، اقتضاء