فإذا اعتبر ذلك ولوحظ أنّه مقرّر الحقائق وجاعلها جعلا بسيطا كانت المبالغة المعتبرة فى جوهر الصّيغة تستبين من سبيلين : كون قوام حقيقة القيّوم وتقرّر ذاته بنفس ذاته، وكون قوام جميع الماهيّات وتقرّرها فى سنخها منه.
ثمّ إذا وصفناه بالواجب بالذّات أفاد ضرورة تقرّر الحقيقة ووجوب الوجود جميعا بنفس الذّات ، فلذلك ما أن ترانا نصطلح فى هذا الكتاب على التّعبير عن مبدأ الكلّ بالقيّوم الواجب بالذّات ، فلنرسخ من الآن فى الاستقرار على هذا الاصطلاح. فإذن ، القيّوم هو الّذي له قوام الحقيقة وتقرّر الذّات بنفسه ، ومنه قوام جملة الماهيّات وتقرّرها. والواجب هو الّذي له ضرورة قوام الحقيقة ووجوب الوجود بنفس ذاته ، ومنه وجوب جميع الوجودات.
<٢> تنبيه
القيّوم الواجب الوجود بذاته تعالى عن أن يتصوّر أن له علّة. ولعلّك تجد ذلك من الفطريّات. فإن أحببت شدّة التّوضيح ، قلت : إن كانت له علّة فى تقرّره ووجوده ، كان تقرّره ووجوده بها. وكلّ ما تجوهره ووجوده بشيء فإذا اعتبر بذاته دون غيره لم يجب له تجوهر ووجود ، وكلّ ما إذا اعتبر بذاته لم يجب له تجوهر ووجود فليس قيّوما واجب الوجود بالذّات ، فإذن ، القيّوم الواجب الوجود بالذّات لا علّة له. فقد ظهر أنّه لا يتصوّر أن يكون شيء واجب التّقرّر والوجود بذاته وبغيره.
أفليس لو جاز ذلك لم يكن يجوز أن يتقرّر ويوجد دون غيره ، فيستحيل أن يتقرّر ويوجد واجبا بذاته ؛ إذ لو وجب لحصل ، ولا تأثير لإيجاب الغير فى تقرّره ووجوده ، فقد تحصّلت من قبل أنّه ليس يتصوّر لذات بعينها ولوجود ذات معيّنة بعينه ضرورتان حتّى يمكن أن يكون إحداهما بنفس الذّات والاخرى بإيجاب الغير. وأمّا لزوم توارد العلّتين المستقلّتين على معلول بعينه ، فربما يتشبّث به من آثر سخافة القول اتّباعا للفئة المتزوّرة المتسفسطة.