يكن المفروض قيّوما واجبا بالذّات على وفاق الفرض ، بل إنّما كان مجموع قيّومات واجبات بالذّات.
وأيضا ، قد استبان لك أنّ ما هو قيّوم واجب بالذّات لا يكون بين ذاته وبين ذات قيّوم واجب وجود غيره تكافؤ لزومىّ يمتنع بحسبه أن يدخل أحدهما فى التّقرّر والوجود وليس للآخر دخول فى التّقرّر والوجود. فكيف يتصوّر أن يكون أشياء متفاصلة الحقائق والذّوات ليس يعقل بين ذواتها علاقة عقليّة طبيعيّة لزوميّة يتجوهر منها ذات متأحّدة وحقيقة وحدانيّة. فذلك ـ مع شدّة وضوحه فى الفساد ـ سيتلى عليك بطلانه إن شاء اللّه تعالى.
(٢) وإمّا أن يكون بعض تلك الأشياء ، ولا أقلّ من واحد ، ليس إذا اعتبر بذاته يجب له أن يكون متقرّر الحقيقة بنفسه ، فيكون لا محالة من الطبائع الإمكانيّة. فكيف يدخل طبيعة إمكانيّة فى سنخ حقيقة القيّوم بالذّات حتى يكون يتجوهر سنخ حقيقته من ممكن ما ومن قيّوم واجب بالذّات؟ وهل المفروض قيّوما واجبا بالذّات إلاّ الّذي هو ما وراء ذلك الممكن؟ فالّذى فرض مجموع تلك الأشياء عاد إلى أنّه بعضها.
وأيضا يلزم أن يكون تلك الطبيعة الإمكانيّة المعلوليّة متقدّمة على القيّوم الواجب بالذّات تقدّما بالطبع أو تقدّما بالماهيّة ، وذلك فطرىّ الاستحالة. فإذن ، القيّوم الواجب بالذّات يمتنع أن يجتمع ذاته من أجزاء متباينة فى الوجود أو ينحلّ إلى أشياء متّحدة فى الحقيقة. وبالجملة يمتنع أن يتصوّر تحليل حقيقته إلى شيء وشيء بوجه من الوجوه أصلا.
وإذا امتنع ذلك استحال أن يكون له طبيعة جسمانيّة أو طبيعة مقداريّة امتداديّة. فإذن ، يستحيل أيضا أن يكون بحيث يصحّ أن ينتزع منه شيء من الأجزاء المقداريّة. فإذن ، هو بسيط حقّ ، ليس يتصوّر فى ذاته الواحدة الحقّة شيء من أنحاء التّكثّر.
وإذ هو وجود حقّ متقرّر بنفسه موجود بذاته ؛ فهو تقرّر نفسه ووجود نفسه ، لا تقرّر شيء ووجود شيء ، وهو تقرّر ووجود بالفعل لنفسه بنفسه.