كما أنّ الضّرورة الذّاتيّة قد يراد بها استلزام الذّات للوجود مطلقا ، سواء كان ضرورة الوجود بحسب نفس الذّات أو هناك منشأ للاستلزام وراء الذّات ؛ وقد يراد بها الضّرورة الّتي هى بحسب نفس الذّات. والمعنى الثّاني أخصّ من الدّوام الذّاتىّ والأوّل مساوقه.
وإذا تبيّن ذلك ، فأمثال الأقيسة المذكورة إنّما يثبت بها الامتناع الذّاتىّ بالمعنى الأعمّ المساوق لدوام الانسلاب بحسب الذّات ، لا الأخصّ ؛ فإنّه إنّما يثبت لو ثبت أنّ ضرورة الانسلاب إنّما هى بحسب نفس الذّات. فما يوجب للعدم ضرورة مطلقة غير مقيّدة بوصف ما أو وقت ما ليس يوجب ضرورته بحسب نفس الماهيّة ، بل إنّما يحصل ذلك بنظر آخر أخصّ وأدقّ.
فإذن ، إنّما يستبين بالضّرورة الفطريّة أنّ ما يلزم من فرض وقوعه محال ذاتىّ لا يعترى عن ملابسة الامتناع الذّاتىّ إمّا بأن يكون هو نفسه المحال بالذّات أو بأن يستند إلى محال بالذّات على أن يكون هو سببه التّامّ. وأمّا ما نفس ماهيّته من حيث هى مبدأ أن يستلزم محالا ذاتيّا ، فإنّما هو المحال بنفسه ذاته. والممكن بالذّات لا يكون عروا عن ملابسة الوجوب بالغير أو الامتناع بالغير.
<٧> أوهام وإزاحات
لفّق بعض المتشككين : أنّ المحكوم عليه بالإمكان إمّا أن يكون موجودا أو معدوما. وهو حال الوجود لا يستطيع أن يقبل العدم ، وإلاّ اجتمع الوجود والعدم ، وإذا امتنع حصول العدم امتنع حصول إمكان الوجود والعدم ؛ ولا حال العدم أن يقبل الوجود ، فلا يحصل إمكان العدم والوجود. فكلّ منهما يصادم الإمكان ، وليس يمكن خلوّ ممكن ما عنهما. فإذن ، لا محكوم عليه بالإمكان. ومن وجه آخر : الممكن إمّا أن يكون قد حضر معه سبب وجوده أو لم يحضر ، وبالأوّل يجب وبالثانى يمتنع. ويستحيل أن يكون خلوا منهما فكيف يمكن.
وازيح : بأنّ قولك : «المحكوم عليه بالإمكان إمّا هو موجود أو معدوم» ليس