يقول : إنّ حيثيّة الإمكان هى حيثيّة الاستلزام ، بل إنّما إنّ ما له حيثيّة الإمكان بالذّات له حيثيّة استلزام المحال الذّاتىّ بحسب التّحقّق.
وكذلك إن كان يعنى بأخير الشّقّين : أنّ العدم الممتنع بالعلّة ليس ممكنا بالذّات ؛ فهو مستبين الفساد ؛ فإنّ الامتناع بالغير ليس يصادم الإمكان بالذّات وليس بشقيه ، وإلاّ كان يحوج الممكن الذاتىّ إلى أن ينقلب ممتنعا ذاتيّا ، بل إنّ معروضه لا يكون إلاّ الممكن بالذّات.
وإن كان يعنى : أنّ عروض الامتناع بالغير لا يكون من حيثيّة الإمكان بالذّات ـ كما أنّ عروض الحركة ليس ينفى السّواد وليست الحركة تعرض من حيثيّة السّواد ـ فليس ذلك بضائر فيما رامه الرّائم.
فإن صار من يدّعى أنّ الممكن لا يستلزم المحال إلى أن يريد ما هو الممكن بحسب الذّات وبحسب الغير وعدم المعلول الأوّل ، وإن كان ممكنا لذاته فهو ممتنع بغيره لوجود علّته.
قيل له : لم يكن ذلك قطّ ولا يكون عوض. فما من ممكن إلاّ وهو واجب لغيره ، (٩٤) أى بحسب وجود علّته وبحسب فرض وجوده ، أو ممتنع ، بغيره ، أى بحسب عدم علّته وبحسب وجود ما ينافيه أو يضادّه معه وبحسب فرض عدمه.
ثمّ إنّه بما استبان قد استتبّ أن يتشكّك فى كلّ تبيان بقياس خلفىّ يثبت به استحالة شيء ، لاستلزام وقوعه محالا بالذّات.
فيقال : لمّا جاز أن يستلزم الممكن لذاته محالا لذاته ، فلا يتمّ الاستدلال ، لجواز أن يكون الخلأ ، مثلا ، ممكنا ، مع أنّه يلزم من وقوعه محال لذاته.
ويزاح : بأنّ الامتناع الذّاتىّ قد يعنى به ضرورة العدم بحسب نفس ذات الموصوف ، أعنى الذّات المقدّرة له ، كما فى شريك البارى ـ جلّ عن ذلك ـ واجتماع النّقيضين. وقد يراد به ضرورة بطلان الذّات فى نفس الأمر ، سواء كان مصداق ذلك نفس الذّات المقدّرة ، أو كانت هناك علّة مقتضية لضرورة العدم فى نفس الأمر وراء الذّات المفروضة.