بالقوّة ، وكانت تلك الأجزاء مجتمعة الذّوات فى حدّ ما من حدود أفق الزّمان ، فإنّما يكون شأن تلك الحقائق بالقياس إلى هذا النّحو من الوجود والامتناع البتّىّ ، لا الّذي على سبيل الأولويّة وامتناع هذا الوجود بخصوصه على البتّ ليس بمخرج تلك الذّوات من حدّ حيّز الإمكان الذّاتىّ.
وأمّا أنّ العلّة يتخلّف عنها المعلول وهو بها أولى ، فالظّلم فيه ظاهر ؛ إذ لا أولويّة بمعنى مجرّد الأنسبيّة أصلا ، بل الأولويّة إنّما تحصل عند اجتماع الشّرائط وارتفاع الموانع قاطبة وهناك يحصل الوجوب ، وعند فقد شيء من ذلك يمتنع الإيجاب بتّة. والقرب والبعد من الوقوع لقلّة الشّروط وكثرتها لا يوقع اختلاف حال فى طباع الإمكان الذّاتىّ بالقياس إلى طبيعتى الوجود والعدم ، بل إنّما يختلف بذلك الإمكان بمعنى آخر ، أعنى الاستعداد الّذي هو الموجود فى بعض شعوب الحقائق.
ولأبناء قلّة التّحصيل ، من أقوام متجادلين أولى تهويشات الظنون والأوهام ، كلمات متشوّشة متخلّية من فضيلة أن يستحقّ شغل الذّمّة بتوهينها ، فوّضنا النّظر فيها إلى من قسطه من العلم أن يروز ظنون هؤلاء الأقشاب روزا ويحرز جدالاتهم حزرا (١) ، مع أنّا قد أعطيناك من القوانين الفحصيّة ما هو مكشاف الحقّ وممحاق الباطل.
<١٢> تذنيب
ربما عدّ من الشّكوك فى هذا الباب : أنّ إمكان وقوع طرف لمّا كان متوقّفا على رجحانه ويمتنع أن يكون الطرف المساوى راجحا حال ما هو مساو ، فيمتنع وقوع الطرف المساوى ما دام على التّساوى. فإذن يلزم أن يجب وقوع الطرف الآخر ؛ لأنّ امتناع أحد النّقيضين مساوق وجوب الآخر.
فحلّ : بأنّ الممتنع ذات الطرف المساوى مع وصف المساواة ، لا بما هو ذلك الطرف من حيث هو هو ، كالممتنع فى المرجوحيّة ذات الطرف المرجوح مع صفته
__________________
(١). يقال : رزنه ، أروزه روزا ، أى : جرّبته. والحزر : التقدير ، وهما متقاربان فى المعنى منه ره.