المرجوحيّة ، لا من حيث هو ذلك الطرف ومناقضته للطرف الآخر من هذه الحيثيّة ، لا من حيث الوصف. فما هو نقيض ليس بممتنع ، وما هو ممتنع ليس بنقيض. على أنّ منشأ الامتناع إنّما هو وصف المساواة بحسب نفس الأمر ، لا المساواة بالنظر إلى الذّات من حيث هى هى ، وإن تحقق الرّجحان فى نفس الأمر بسبب غير الذّات.
وأمّا أنّ جواز ارتفاع أحد النّقيضين بالنّظر إلى الذّات بحسب نفس الأمر يستلزم وجوب الآخر ، وإلاّ لزم جواز ارتفاعهما معا ، فإنّه وهم سخيف ساقط. والممكن فى نفسه يجوز له كلّ واحد من الطرفين وارتفاعه على سبيل البدل ولا يستلزم ذلك جواز ارتفاعهما أو اجتماعهما معا.
<١٣> تكشاف تأصيليّ
إنّ الإمكان هو العلّة المحوجة إلى العلّة. ولم يتجشّم أن يستنكره أحد غير أولى الأوهام العامّيّة ، من الفرقة المستفسطة. أليس هو لا ضرورة الطرفين. وذلك ميزان تساويهما بالنظر إلى الذّات فى التّرجّح وفسخ ترجّح أحد المتساويين لا بعلّة مرجّحة من الفطريّات ، ولم يجعله من المقتضيات إلاّ من فارق مقتضى عقله لسانا فيما مرجعه إليه ضميرا. فلو ترجّح أحد الطرفين على الآخر إلاّ لمرجّح لصار هو أولى من الطرف الآخر.
وذلك ينقض فرضنا أنّ كلا الطرفين بالنّظر إلى فوت الذّات على السّواء البحت ، وكلّ ما فرض وقوعه تحت حكم الإمكان فهو فى حيّز نفسه بحسب طباع الإمكان لا الذّات ولا اللاّذات.
فإذا لوحظ أنّ هذا الاعتبار (١) هو حال الشّيء بحسب طباع الإمكان قضت الفطرة البشريّة أنّ طباع الإمكان هو الّذي أحوج الشّيء فى أنّه ذات أو لا ذات إلى العلّة. فإذن قد حصل المعنى الّذي هو تخلّل الفاء بين الإمكان والحاجة وهو الّذي يعنى بالعليّة.
__________________
(١). دليل على أنّ الإمكان هو علّة للحاجة.